المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل

8 حزيران (يونيو) 2018

الحركة الوطنية الفلسطينية الراهنة من الداخل

- الجزء الأول

تأليف: د.أكرم حجازي

كلمة لا بد منها

هذا البحث يجمع شتاتا من بعض التاريخ الراهن للحركة الوطنية الفلسطينية خلال الفترة الواقعة بين عامي 1948 و1998. ويعرض لأبرز أطروحاتها سوسيولوجيا وأيديولوجيا، ويناقش جزء كبيرا من تاريخيتها بالتفصيل.

الحاضر مؤلم، ومخزي. لكنه ليس سوى حصاد التاريخ ... حصاد لوقائع لا يمكن إنكارها بغض النظر عن الحق والباطل أو الخطأ والصواب فيها؛ وبغض النظر عن مشروعية المحتوى؛ وبغض النظر عن قبولها أو رفضها؛ وبغض النظر عن اكتساحها للعقول وهيمنتها على الألباب والحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. فالتاريخ ووقائعه وأحداثه صار جزء من الماضي. والماضي أمانة لا مناص من الحفاظ عليها ونقلها إلى الأجيال القادمة كما هي، وبتجرد، ودون تحريف أو تعظيم أو تسخبف للحقيقة، كي تكون على بينة من أمرها، وكي تكون للعبر معانيها.

ولا شك أن التمسك بالأمانة العملية والعمل بها يستدعي من كل باحث التحلل من سطوة الوقائع التاريخية وما يحيط بها من ترغيب أو ترهيب، وهي عملية صعبة ومعقدة، وتحتاج إلى قدر كبير من الجهد والتضحية والصبر. فللحقيقة، وحتى بعضها، دائما أثمان باهظة.

قبل مناقشة البحث وقع بعض الأساتذة المشاركين في حيرة من أمرهم وهم يفتشون عبثا، ويسألون بعض أصدقائي من الأساتذة التوانسة: من هو أكرم حجازي؟ وما هي خلفيته الأيديولوجية؟ هل هو من فتح؟ هل هو إسلامي؟ هل هو شيوعي؟ من يكون بالضبط؟

وخلال المناقشة التي تمت على مرحلتين (لأول مرة في قسم الاجتماع بالجامعة التونسية) فاجأ أحد الأساتذة الحضور، وبشكل لفت انتباه زملائه، بالقول أنه استطاع التوصل إلى تحديد الهوية الأيديولوجية للباحث، فانتفض الأستاذ المشرف، من غفلة، منتظرا تلقي إجابة إلا أن زميله خيب أمله ولهفته حين امتنع عن التصريح مكتفيا بالقول أنه سيكشف عن ذلك لاحقا. لكنه لم يفعل! ولن يفعل! لأنه ببساطة لن يجد في البحث أي حضور أيديولوجي من أي نوع كان.

فبعد سنة أو اثنتين من المناقشة ظل الأستاذ المشرف يفتش عن إجابة يطفئ بها حيرة أعيته عن تحديد هوية صاحب النص. وفي يوم ما سأل شقيقي د. أحمد نفس السؤال: من يكون أخوك؟ وما هي توجهاته؟ فعجب أخي من السؤال والإلحاح فأجابه أن كل ما في الأمر أنني أعشق البحث العلمي. لكن الأعجب أنني حين كنت موضع تساؤل لم يسألني أحد من أكون.

هذا البحث ككل بحث علمي؛ وليد ظروفه. وقد تم إنجازه، بإنصاف وباقصى قدر من الحياد، حين كانت الأيديولوجيات العلمانية تتهاوى تباعا، وحين كانت الجماعات الإسلامية تتقدم لملء الفراغ. ومع ذلك فقدلاقى العنت والصلف والمراوغة والتملص في كل محاولات النشر. ومن المؤسف والمؤلم أن كافة الجماعات السياسية الفلسطينية، العلمانية والإسلامية رفضت نشره، كما رفضته مراكز الأبحاث الفلسطينية الجامعية والخاصة، وبالذات، الإسلامية منها بلا أي مبرر. والحقيقة أنه لم يلاقي الهوى عند أي منها. ولو كان صاحبه ذا هوى ورياء لهذه الجهة أو تلك لما كانت المعاناة ولما كان الجحود والنكران نصيبه الأوفى.

بعد كل المحاولات لم يعد الانتظار مجديا، ولم تعد دور النشر ومراكز الأبحاث سيفا مسلطا على رقاب الباحثين، وبعد فترة وجيزة جدا لن يعود للكتاب الورقي وجود يذكر إلا على الرفوف وفي الخزائن. ولن يظل الحصار التكنولوجي الغربي مضروبا على الكتاب الإلكتروني العربي إلى الأبد. وستضطر الشركات المصنعة لأجهزة الـ E-BOOK READER إلى إدراج اللغة العربية في البرمجة. ولأننا لا ننتظر كسبا ماديا مما نكتب فقد رأينا أنه آن الأوان أن نشرع بنشر ما لدينا من أبحاث على موقعنا في الشبكة. وهذا هو الكتاب الثاني بعد كتاب « حديث الإفك». أما الكتاب القادم، إن شاء الله، فهو بعنوان:

دعوى الاغتصاب

بحث في السوسيولوجيا التاريخية والقانونية للملكية العقارية والزراعية في فلسطين خلال العهدين العثماني والبريطاني

( 1858 – 1948 )

والله الموفق

مقدمة:

منذ ولادة المنطقة المسماة حاليا بـ « الشرق الأوسط» (1914–1922) وبروز الدولة اليهودية على أنقاض فلسطين وتمتعها بوضعية الدولة الأقوى لم تفارق ظاهرة العنف المنطقة حتى نهاية القرن العشرين. بل إنها إحدى أبرز الظواهر المألوفة منذ ما يزيد عن القرن. فالحركة الصهيونية والغرب الرأسمالي لم يتيحا مجالا لغير العنف سلوكا فُرض على « شعوب» المنطقة مذ توج بتقسيم الوطن العربي (1916) وأتى بعد ثلاثة عقود، جغرافيا، على أزيد من ثلاثة أرباع مساحة فلسطين و، ديمغرافيا، على نحو مليون مُهجّر من مواطنيها شُرِّدوا وخسروا ديارهم وممتلكاتهم وحتى وطنهم. وإذا كانت هذه بعض مدخلات الغزوة الاستعمارية العالمية على شرق الوطن العربي فإن مخرجاتها لم تسفر سوى عن احتلال ما تبقى من فلسطين ومزيدا من التمدد السريع نحو السيطرة على أراضي عربية محاذية (1967) فضلا عن إجبار السكان والأنظمة السياسية العربية، على حد سواء، على التعايش مع أنماط الحياة السياسية والاجتماعية التي تتسم بالفقر والقهر والإذلال. فتحولت المنطقة إلى بيئة تزخر في إنتاج العنف واحتضانه، الأمر الذي تمخض عنه توليد العنف المضاد عبر حركات المقاومة والاحتجاج بلا اختيار إلا نزولا عند رغبة التحدي الحضاري الذي تفرضه على الدوام الكولونيالية الرأسمالية والصهيونية على هذه المنطقة من العالم بمحتوى فريد لا مثيل له.

والآن، فإن تشخيص المشكلة الفلسطينية وفقا للمقالة السياسية المعاصرة لحالة الوطن العربي تُبيِّن أن فلسطين بقيت البلد العربي الوحيد الذي لم يحصل، لا فقط، على استقلاله السياسي بعد، بل أُنكر وجوده. أما سكانه فقد نالوا في أحسن الأحوال صفة « الطوائف الشرقية»، بينما وصف اليهود في شتى بقاع الأرض بـ « الشعب» ذو « الصلة التاريخية» بفلسطين حسبما جاء في نصي « وعد بلفور» (1917) و « صك الانتداب» ( 1920 ). وتبعا لذلك ظل القلق على الهوية والمصير يساور القيادة السياسية الفلسطينية زمن الانتداب على فلسطين (1917 – 1948). وبعد قيام الدولة اليهودية بات البحث عن الهوية وإعادتها والسعي إلى تثبيتها محور تفكير ونشاط متصل لكل الحركات السياسية التي ظهرت في فلسطين أو خارجها بما فيها حركات المقاومة المعاصرة حتى استغرقت الهوية كل المقالة السياسية الفلسطينية وغاية كل الفعاليات الإستراتيجية لمختلف التشكيلات السياسية والاجتماعية المناهضة للدولة اليهودية. وخلاصة المسألة، حربا إسرائيلية على الهوية لجهة إنكارها وحربا عربية عليها لجهة احتوائها. وما بين « النكران» و« الاحتواء» استقرت الهوية سياسيا ولكنها ظلت « من دون جغرافيا» . ولكن أية هوية سياسية تلك التي استقرت؟ وأية جغرافيا يجري البحث عنها؟

في غياب أية سلطة محلية مركزية في فلسطين عبر التاريخ، أو سلطة وطنية تماثل الحالة المعاصرة لأقطار الوطن العربي تساهم في صناعة هوية قطرية - قومية خاصة بالشعب الفلسطيني تظل الهوية التقليدية الموروثة معبرة عن مركبين أساسيين متلازمين ومتمحورين حول العروبة والإسلام. هذه الثنائية التي تشكل حصيلة الرموز والتصورات الذهنية لدى الشعب الفلسطيني لم تنل منها الإشكاليات المثارة حولها بين الحين والآخر في مجتمعات عربية كون الشعب الفلسطيني لا يمتلك أية تجربة استقلالية. وما ينظر إليه رواسب تاريخية في بعض المجتمعات تسببت في أزمة هوية إنما هي أسس الهوية الراهنة. فقد ظلت فلسطين، تاريخيا، أحد المكونات البنيوية لجغرافيا منطقة بلاد الشام. ولم تكن في يوم ما جزءً منفصلا أو مستقلا عنها، بل الأشد ارتباطا بها لدرجة أنها لم تتمتع قط بسلطة مركزية مستقلة حتى لما جرت محاولة منح متصرفية القدس صفة ولاية إدارية عثمانية منفصلة عن ولاية دمشق. وهكذا احتفظت فلسطين بكونها المنطقة الشهيرة بـ « سوريا الجنوبية».

وفي خضم عقود الانتداب البريطاني الثلاثة عليها لم يتنازل سكانها قط عن حقيقة أنهم سكان الإقليم الجنوبي. وكالعرب، شعوبا وقادة، رفض الفلسطينيون الاعتراف بما تمخضت عنه اتفاقيات سايكس- بيكو، البريطانية – الفرنسية، التي قسمت مشرق الوطن العربي إلى دول عدة وقطعت التواصل بين أجزائه وصولا حتى المغرب على سواحل المحيط الأطلسي. وردا على ذلك تمسك الفلسطينيون، أكثر من غيرهم، بحلم الوحدة ضد التجزئة الاستعمارية من جهة وضد الدولة اليهودية من جهة أخرى. وظل التعلق بالهوية القومية العربية أحد المركبات الأساسية التي لم تتزحزح من الوجدان الفلسطيني الذي لم يألف هوية سياسية أخرى ليستعملها في التعبير عن ذاته مثلما ألفها المواطنون العرب في الدول العربية القطرية. ولا أدل على ذلك من التأييد الساحق للأحزاب القومية العربية كحزب البعث العربي الاشتراكي أو حركة القوميين العرب ثم الوحدة المصرية - السورية أو للناصرية من بعدها وللتطلعات القومية العربية أيا كان مصدرها ومتى كان ذلك.

بطبيعة الحال ليست الهوية الدينية أقل شأنا من الهوية القومية إن لم تكن أعظم. ففيما خلا مكة المكرمة والمدينة المنورة لم ينل بلد من التكريم الإلهي ما نالته بيت المقدس في العقيدة والتاريخ الإسلاميين. فهي الأرض المباركة في القرآن، أرض الإسراء والمعراج، المعجزة الإلهية التي لم تماثلها أية معجزة على الأرض منذ أنزل آدم عليها. وهي أرض الأنبياء منذ الأزل. وفي السنة النبوية هي أرض الرباط والجهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وفي التاريخ الإسلامي هي الأرض الموقوفة منذ فتحها الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب وتسلم مفاتيحها وأوقفها وربط بين سكانها مسلمين ومسيحيين برباط عقدي خالد لا زال يعرف حتى اليوم باسم « العهدة العمرية». وتجدد وقفها من قبل علماء المسلمين في الأزهر غداة قيام الدولة اليهودية. ولهذه الأهمية الدينية معالم حية لا تفنى كالمسجد الأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقبة الصخرة، مهبط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء، والحرم الإبراهيمي الشريف وكنيستي المهد والقيامة وأضرحة الصحابة العظام وعلماء المسلمين وخمسة عشر قرنا متواصلة من التاريخ الإسلامي الحافل حيث لا وجود لأية هوية لسكانها تفوق الهوية الإسلامية التي تهاوت مع انهيار الخلافة الإسلامية وزوال الإمبراطورية العثمانية وحربين عالميتين أسفرتا عن ظهور الدولة اليهودية على الأرض الموقوفة وتشريد مئات الآلاف من سكانها. تٌرى، هل اشتملت الهوية التي استقرت على أي من هذين المركبين؟ وهل عبرت عن ذات الجغرافيا؟

لا ريب أن المسألة تتصل بوضعية الشعب الفلسطيني في الشتات اتصالا مباشرا، حيث الشخصية الفلسطينية هي شخصية لاجئة، يائسة، عاجزة، منبوذة ومنكر عليها حق الوجود والفعل والتعبير عن الذات. وفي هذا المناخ القاتم برزت المنظمات الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة « فتح» التي نادت بشخصية بديلة هي الشخصية المقاتلة، باعتبارها الأداة القادرة على استيعاب حالة الشتات وتحويلها إلى حالة الفعل الطليعي في الحرب التحريرية القادمة للأراضي المغتصبة من فلسطين.

إذن هي الهوية الوظيفية « المقاتلة». في الأثناء كانت الهوية الدينية قد تم تجاوزها إما إقصاء وإما لعجز رموزها عن الاندماج في الواقع الجديد بعكس الهوية القومية التي لم تجد بدا من الاندماج ولو كلفها ذلك التضحية بتصوراتها الأيديولوجية والسياسية آنذاك. ولكن، وفي بضع سنين، تحولت الهوية الوظيفية إلى هوية سياسية تبحث عن جغرافيا في وطن لم يعد « سليبا» وعبر تسوية سياسية تدرجت من « دولة ديمقراطية» إلى « وطن» هلامي غير محدد المعالم. وهنا، بالضبط، يكمن جوهر المسألة الإسلامية التي مثلت، عبر تنظيمات الظاهرة الجهادية، تحديا غير منتظر لإسرائيل ولكافة المستويات الأيديولوجية العلمانية، عربيا وفلسطينيا ودوليا، والسائرة جميعها في طريق التسوية السياسية. فالهوية الدينية ليست، ولا يمكن أن تكون، محل مساومة لا نصا ولا اجتهادا إلا إذا تقهقر رموزها. وحتى اللحظة فإن اندفاعها يعني ببساطة العودة بالصراع مع إسرائيل إلى الجذور بوصفه صراعا بين الكفر والإيمان، بين الخير والشر، بين الحق والباطل ... الخ هذا التصور يعني، على المستوى الفلسطيني، انقساما حادا يجعل من مختلف التشكيلات السياسية والاجتماعية واقعة على طرفي نقيض، أحدهما تمثله منظمة التحرير والقوى المنطوية في إطارها السياسي والأيديولوجي والآخر تمثله جماعات الظاهرة الجهادية. كما يعني أن ظاهرتي المقاومة العلمانية والإسلامية باتتا متلازمتان على مستوى الدراسة نظرا للترابط الوثيق بينهما. فإذا أردنا أن نضع، كليا أو جزئيا، نشاطات الحركة الوطنية الفلسطينية بشقيها الإسلامي والعلماني تحت المساءلة؛ فعلينا أن نقر، بادئ ذي بدء، أننا نواجه مشكلة معقدة تتصل بمفاهيم « الثورة، حركة التحرر والمجتمع». والسؤال هو: هل تتيح المقالات السوسيولوجية لنا إمكانية الولوج إلى واقع اجتماعي يمتاز بالشتات والتفكك في ذات الوقت الذي خرجت منه ثورة؟ وبصيغة أخرى: كيف لنا أن نحدد المجال الاجتماعي لثورة ظهرت في مجتمع مندثر؟

في مفهوم الثورة

قلما ندر أن يجد الباحث المهتم بدراسة مسائل الثورة وحركات التحرر الوطني ما يشد الأزر إذا ما قرر، أو أجبر على، الخوض في تأصيل مفاهيمي لـ« الثورة » كواقعة فكرية واجتماعية، ناهيك عن «حركات التحرر» الوطني، فمثل هذه المفاهيم غدت من المسائل الباعثة على التذمر والإحباط إما لابتعاد المشتغلين فيها عن التأصيل لها، لسبب أو لآخر، وإما لأن التراث المعرفي والنظري للفكر العربي المعاصر يعاني أصلا قصورا في بنيته المعرفية، الأمر الذي أوقعه في أزمة علمية ليست الحيرة التي يشعر بها كل مثقف مهتم بالبحث عن ذاتية مجتمعاتنا العربية إلا أحد مظاهرها. أما، والحال هكذا، فإن هذا المثقف سيكون إزاء إشكال موضوعي ومنهجي يفرض عليه الانكفاء أو الاختيار بين:

 أن يرغم على استعمال إطار معرفي ونظري غير قادر في كثير من الأحايين على إعانته على فهم وتحليل واقع تاريخي لم يُدرَس من قبل ولم يفرض نفسه داخل ذلك الإطار النظري الموجود والذي يهيمن عليه تاريخيا الواقع العربي.
 وإما أن يلجأ إلى استعمال مثل هذه المفاهيم من خلال بناء حدود منطقية لها تبرر استعمالها.
 أو أن يستعملها من حيث الصيرورة التاريخية لتشكلها باعتبارها واقعة في نطاق الصيرورة .

ويغلب الظن أن المجتمعات النامية وبالذات المجتمعات العربية تفتقر لتراث معرفي يتناول المفهوم، اللهم إلا بعض المحاولات التي يعتبر مالك بن نبي وفرانز فانون أبرز روادها إبَّان الاستعمار الفرنسي للجزائر، مع أنه من الصعب الجزم ما إذا كان المفكران قد تحدثا عن مفهوم للثورة أو لحركة التحرر. ومع ذلك فالمحاولتان لم تتطورا ولم يقع اختبارهما في مناطق أخرى. وفي واقع الأمر، وبقطع النظر عن هويتها ومضمونها وأهدافها والوسائل التي تستعملها، فالثورة لم تكن في يوم ما لتشكل ظاهرة معرفية بحد ذاتها. ومن جهتها لم تكن الحركات التحررية والمناهضة للاستعمار، في أحسن الأحوال، أزيد من ظواهر سياسية برزت بعد الحرب العالمية الثانية واستغلتها الماركسية السياسية لتلبي تطلعات الماركسية الأيديولوجية وتخدم مصالحها السياسية والإستراتيجية في التنظيم الدولي. فقد كان الاعتراف الدولي بحق الشعوب في التحرر وتقرير المصير هو القاعدة القانونية التي دفعت بالاتحاد السوفياتي، في إطار الحرب الباردة، إلى توظيف الظاهرة وتبنيها، وهو الموقف الذي رحبت به الكثرة الكاثرة من حركات التحرر بدء من الاحتماء بالاتحاد السوفياتي وصولا إلى اعتناق الأيديولوجية الماركسية اللينينية بوصفها الإطار المعرفي الوحيد الذي يوجه فعالياتها. وكان لشيوعها ، كنظرية ثورية، ومن ثم تطبيقاتها أن ارتهنت حركات التحرر بها لدرجة التنكر لخصوصياتها وللنضالات التاريخية للشعوب المضطهدة والمستعمَرة فخسرت خبراتها وتجاربها وباتت حبيسة الموقف السياسي للنظرية. وفي المحصلة يبدو أننا إزاء عدمية معرفية خلَّفت، على المستوى العربي والفلسطيني، أضرارا بالغة ضربت في الصميم النضالات الفلسطينية والعربية على الرغم من توفر العديد من التجارب الثورية في التاريخين العربي والإسلامي ماضيا وحاضرا. وما لدينا هو محاولة محدودة تحاول أن تقرر ما هو كائن وليس بناء نظريا.

ففي معاينته للعلاقة بين السلطة والثورة يتساءل أحد الباحثين عن ماهية الثورة؟ وكيف يمكن تحديد دلالاتها السياسية والاجتماعية بصورة موضوعية؟ فيلاحظ أنه ثمة سوء فهم وخلط في استعمال المفهوم كالخلط بين التغيير(الثوري) والتغيير الفوقي(الانقلاب) أو إطلاق صفة الثورة على أية إجراءات قانونية أو إدارية أو التعويل كثيرا على الأصول الطبقية لمن نهضوا بالتغيير واستولوا على السلطة ثم جاءت الأحداث عكسية والنتائج مخيبة للآمال تماما . وفي واقع الأمر فإن الخلط أو سوء الفهم هذا، الذي تقع إثارته بين الحين والآخر، لا يبدو معرفيا بقدر ما يأتي استعمال المفهومين كانعكاس لواقع تاريخي قُدم فيه الانقلاب غالبا بوصفه ثورة على نظام بائد بقطع النظر عن مدى الشرعية التي يتحصن بها هذا النظام السياسي أو ذاك.

إلا أن هناك لبس معرفي آخر في بعض الكتابات يجري بموجبها اعتبار الثورات أو حركات التحرر أحد أشكال الحركات الاجتماعية، ولو كان الأمر كذلك لما برزت الحاجة إلى القلق من غياب التأصيل العلمي للمفاهيم بالنظر إلى الوفرة في الأدبيات المتعلقة بالحركات الاجتماعية. وها هو صاحب أقوى النظريات بهذا الخصوص يعقد في مقالة له مقارنة بين المفهومين مبينا الفرق بين الثورة والحركة الاجتماعية، فهذه الأخيرة تُعَّرف، حسب التراث الأوروبي، بأنها: « تعبير منظم عن صراع اجتماعي يحتل التوظيف الاجتماعي للموارد والمصالح الثقافية لب أهدافه على مستوى الاستثمار والمعرفة والأخلاق». هذا التعريف، على غموضه الشديد، يجعل من الحركة الاجتماعية أبعد ما تكون عن حركة التحرر ناهيك عن الثورة التي يُنظر إليها على أنها حركة تنويرية حيث كل شيء يجري التفكير فيه من منظور القوانين التاريخية في حين أن الحركة الاجتماعية مفهوم يتعلق بالديمقراطية الاجتماعية حيث كل شيء يجري التفكير فيه من منظور العناصر الفاعلة في المجتمع . غير أن « تورين» لم يحدد في مقالته مكانة الحركة الاستعمارية فيما إذا كانت واقعة ضمن الحركات الاجتماعية أو الثورة وما إذا كانت أقرب إلى هذه أو تلك. وواقع الأمر أنها الاثنتين معا، فالحركة الاستعمارية هي محصلة لتراكم رأسمالي و« استثمار» خارج الحدود مثلما هي من منظور « القوانين التاريخية» حركة تنويرية قدمت نفسها كحامية للشعوب المتخلفة وأنها تسعى لتنميتها وتحديثها باعتبارها « أمانة مقدسة في عنق المدنية» كما ورد في صكوك الانتداب.

وإذا تمسكنا بمفهوم الثورة، ففي الدول الرأسمالية يُعرف التراث المعرفي لها بـ« علم اجتماع الثورة». ومن وجهة نظر ابستيمولوجية فإن هذا العلم لم ينوجد إلا على خلفية الثورات القومية التي وقعت في البلدان الرأسمالية وما قبل الرأسمالية ابتداء من الثورة الأمريكية (1875) وانتهاء بالثورة الصينية (1949). وفعليا ما كان لهذا العلم أن يزدهر إلا على خلفية انتصار الثورة البلشفية في روسيا (1917)، ومن ثم ظهور الاتحاد السوفياتي. لذا كان العلماء والمفكرون الليبراليون هم سادة هذا العلم الذي خُصِّص الجزء الأعظم من منتجاته المعرفية ضد الأيديولوجية الماركسية التي باتت العدو الأول للأيديولوجية الرأسمالية. المهم في الأمر أن الثورة كمفهوم وواقعة باتت حبيسة هاتين الأيديولوجيتين من جهة، وليست إلا صنيعة تلك الدول أو المجتمعات النافذة التي استطاعت أن تؤثر في مجريات التاريخ الإنساني المعاصر والعلاقات الدولية من جهة ثانية .أما الثورات الأخرى– حسب هذا الفهم– فمن المؤكد أنها ستصنف خارج نطاق اهتمام علم اجتماع الثورة. بيد أن المسألة ليست بهذه السهولة أو تلك؛ فرواد هذا العلم يرفضون الثورة رفضا قاطعا. ومن بين عديد المؤلفات التي تناولت الموضوع يمكن لنا أن نستعين بمؤلَّف « يوري كرازين» الذي يعج بعشرات التعريفات ، وسنلاحظ أنه، فيما عدا وجهة النظر الماركسية التي يدافع عنها المؤلِّف، من السهولة بمكان أن نميز بين نوعين من التعريفات أحدها يتحصن بالجانب الدستوري للثورة فيما يفيض الآخر بالتحليل السوسيولوجي المعادي لها.

ولما كانت سلسلة التعريفات هذه تتأسس على فرضية تعتقد بشرعية الوضع القائم على مستوى السلطة؛ فإن أية محاولة للمس بالظروف المشروعة سيُنظر إليها على أنها تجاوز قانوني. وإذا ما حاولنا ترجمة هذا الاعتقاد إلى لغة سوسيولوجية فمن المؤكد أننا سنخوض مواجهة مع تحليلات النظرية النسقية الحديثة حيث الوظيفيين البنيويين يُجهدون أنفسهم لتفسير ظاهرة الثورة انطلاقا من فرضية التوازن في النسق الاجتماعي التي تتحصن بها النظرية. وفي المحصلة ستغدو الثورة « المنبوذة» كأحد أوجه الصراع الاجتماعي الناجم عن مبدأ «الاختلال الوظيفي». فالدولة، المجتمع، السلطة، النظام، العلاقات … الخ كلها عناصر نسقية في حالة توازن ما لم تتعرض لاختلال وظيفي في بنيتها.

وفي واقع الأمر فإن التشدد الغربي تجاه الثورات يكمن في طبيعة الفلسفة الليبرالية ذاتها، فمنذ ظهور الرأسمالية والإنسان الميكانيكي، أواخر القرن التاسع عشر، قُدِّم العلم والازدهار الاقتصادي بمثابة المضامين الحقيقية للثورة. وتبعا لذلك فالمعتقدات الرافضة ترجع بالدرجة الأساس إلى كون الثورة تُعد مساسا بالوضع القائم الذي يمتاز بسيادة فلسفة النماء (التنمية) والتقدم (التحديث). وبلغة سيغموند نيومان « Sigmand Neuman » هي: « انكسارا هائلا يصيب مسار التطور المتصل (ص28) ». ولعل تطور مفهوم النسق، يُعد بحد ذاته ثورة بالغة الأثر. فحين يختل النسق ينتهز لورانس ستون « Lawrance Stone » الفرصة ليقرر أن « الاختلال الوظيفي » ما هو إلا : « الاعتراف بالحاجة إلى الاتساق بين النظام الاجتماعي من ناحية والنظام السياسي من ناحية أخرى (ص30،هامش4) ». هذا «الاعتراف» ذو قيمة عالية، حتى إذا ما بلغ الاختلال حد القطيعة أو زوال النسق فلا مناص، حينذاك من التدخل. وهنا تكفَّل علماء اجتماع الثورة بالتمهيد للتدخل المباشر (سياسيا وعسكريا) وغير المباشر (الثورة المضادة) مما سمح ببروز سياسات خطرة مورست ضد الثورات المناهضة للاستعمار أو الأنظمة السياسية القمعية خاصة بعد سيادة نمط الدولة– العالم، تلك الدولة التي تمتد مصالحها إلى كل بقاع الأرض. فكانت النتيجة سفك مستمر للدماء وإفقار وإذلال للشعوب المكافحة.

على كل حال فالمسألة، على الجانب الآخر، تتصل بنقض الأطروحات الليبرالية ونسف مبدأ « الاختلال الوظيفي » ورفض الاتهامات الموجهة للماركسية كأيديولوجية محرضة على العنف. لذا يقدم « كرازين» الأطروحة الماركسية عن الثورة ملاحظا أنها: « ليست غاية بحد ذاتها إنما وسيلة لحل مهام اجتماعية واقتصادية (ص53) »، ويشدد على أن: « الثورة الاجتماعية ليست ظاهرة قائمة بذاتها تكمن عللها بداخلها. إنها تنفجر دائما بفعل طائفة من العلاقات الاجتماعية. كما أن الطبيعة الموضوعية للثورة لا يمكن تحديدها دون الإشارة إلى النظام الاجتماعي والاقتصادي السائد في المجتمع». لذا فهو يحدد معيارين موضوعيين مترابطين لتحديد طبيعة الثورة، وهما:

1. « محتوى التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والتي تجعل من التحولات الثورية حتمية تاريخية.
2. طبيعة النظام الاجتماعي الاقتصادي الذي تمهد له الثورة الأرض».
وعلى الرغم أن « كرازين» يقدم هذين المعيارين، باسم الماركسية: « للباحثين ليضعوا على هديهما تصنيفا علميا للثورة الاجتماعية» إلا أنه يستند إليهما في تقسيم الثورات الاجتماعية إلى ثلاث أنماط أساسية هي:
- الثورة ضد ملاك العبيد
- الثورة ضد الإقطاع أو الثورة البرجوازية
- الثورة الاشتراكية (ص36) ».
ولقد بات واضحا أن الأطروحة الماركسية، كالليبرالية، تقر بوقوع الثورة كظاهرة اجتماعية لها مجال اجتماعي محدد هو المجتمع والدولة والنظام، ولكن في إطار الحتمية التاريخية التي تتجلى بالبروز الحاد للتناقضات الاجتماعية الاقتصادية في المجتمع. وحين تقع الثورة، بهذا المحتوى، فمن المفترض أن تحمل الطابع الاشتراكي. ونحن نتساءل: إذا وقعت الثورة ولم يكن لها سمات محلية تبررها فهل ننزع عنها سمة الثورة؟ لعلنا نجد في الماركسية الأيديولوجية بعض الإجابة. فالثورة الاشتراكية هي الأكمل والأنضج، أما ما عداها فسيظل موضع التباس، إما لأن الطابع الحقيقي للثورة (الهوية والأهداف) غير واضح تجاه ملاءمته للمقالة الماركسية، أو لأن الثورة لم تحقق أهدافها بعد بحيث يمكن الحكم عليها سلبا أو إيجابا، وبالتالي: « سيظل محل انقسام بين الماركسيين». وهذا الموقف ينطبق على «الثورة الألمانية(1918) وبعض الثورات التي اندلعت في أوروبا الشرقية بعد الحرب الثانية أو في آسيا وأفريقيا(ص36) ».

ولا شك أن هذه المواقف ستظل كذلك طالما ظلت الماركسية الأيديولوجية تُنَمط الثورات في مراحل تاريخية ووفقا لمحتويات أيديولوجية. وهذا ما لا ينطبق على الثورة الفلسطينية التي انطلقت بهدف البحث عن الحق في استعادة الهوية لا بهدف البحث عن « الاتساق بين النظام الاجتماعي والنظام السياسي» ولا بهدف تحقيق« العدالة الاجتماعية». فالمسألة هنا تتصل بحركة تحرر لا تمتلك مجتمع ولا دولة بحيث يشكلان مجالا للصراع الاجتماعي أو للتناقضات، فضلا عن أن مثل هذه المسائل يقع تأجيلها إلى ما بعد التخلص من الاستعمار.

في مفهوم حركات التحرر

من طبيعة الاستعمار كقوة مهيمنة أنه لا يتقبل، حيثما حل، حتى تقاسما للثروة والموارد مع البلد المستعمَر، ولا شك أن التوحش الرأسمالي سيؤدي مع مرور الوقت إلى توسيع القاعدة الاجتماعية المناهضة له بالقدر الذي تستنزف فيه الموارد والثروات ويعجز النظام الاجتماعي والاقتصادي التقليدي عن التعايش مع النظام الاستعماري بكل مدخلاته. وكلما أوغلت الإدارة الاستعمارية في المساس بالقوى الاجتماعية المحايدة أو المتواطئة أو الحليفة لها كلما انفرط عقد النظام بحيث لا يتبق منه شيء للدفاع عنه إلى الدرجة التي تنفجر فيها كل منظومة للعلاقات مخلفة وراءها في كل مرة سلسلة من الاحتجاجات الأشد عنفا لتنتهي بصيغة ثورة شاملة ضد الوجود الاستعماري برمته.

هذا ما تعرضت له معظم شعوب العالم الثالث التي خضعت لهيمنة استعمارية مباشرة بما في ذلك المجتمعات العربية مع اختلاف الشكل الاستعماري وأهدافه من بلد لآخر. ففي كوبا، مثلا، كان الاستعمار شبه مباشر ولكنه مجسد بسلطة محلية تابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وفي فيتنام وكوريا سلطة استعمارية مباشرة وتقسيم للبلاد، وفي الجزائر سلطة مماثلة واستيطانية تتنكر حتى لهوية الأرض والإنسان … إلخ لذا فالمهام الوطنية للثورة والخطاب الأيديولوجي ووسائل التحرر من الاستعمار، في مثل هذه البلدان، ستختلف باختلاف الشكل الاستعماري القائم، إلا أنها جميعا لم تختلف على منهج واحد في التعامل مع القوى الاستعمارية بلجوئها إلى الكفاح المسلح كوسيلة تتمتع بالأولوية لفك الارتباط السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي معها.

ولما يحظى هدف التخلص من الاستعمار المباشر أو غير المباشر بالأولوية على ما عداه من الأهداف فإننا سنكون بصدد الافتراق بين الثورة وحركة التحرر. فالثورة في المفهوم التقليدي، آنف الذكر، عبرت عن سلسلة من الشروط كأن تشكل انتصاراتها وإنجازاتها حدثا فريدا وإضافة إنسانية، في مستوى حقوق الإنسان، تتعدى منافعها مجالها الاجتماعي والجغرافي فتؤثر في محيطها الإقليمي والدولي، وبالتالي يصبح ما حققته من مبادئ وحقوق وامتيازات ملكا للإنسانية وليس لصانعيها فقط. أما حركة التحرر فهي ليست أكثر من ثورة باحثة، كليا أو جزئيا، إما عن الحق في الوجود وتقرير المصير والاستقلال والكرامة الوطنية أو عن مقاومة الاضطهاد الاجتماعي والاقتصادي والعنصري والاستيطاني أو عن التحكم بالثروات الوطنية والموارد. هكذا؛ فحركة التحرر ليست إلا حلا لقضية محلية ضيقة الحدود والأهداف وفي إطار من الأخلاق الإنسانية والقانون الدولي. ومثل هذه الحركات لن تبلغ من قوة وتأثير ما بلغته الثورات العالمية حتى وإن تحولت إلى نموذج تتمثله مجتمعات مجاورة أو أخرى مستعمرة، فضلا عن أن هذه الحركات لا علاقة لها بأية مسائل أو أهداف عقدية.

صيرورة حركة التحرر الفلسطينية

والسؤال الآن: هل يسمح هذا التعارض بتحديد نشاط الجماعات الفلسطينية المسلحة فيما إذ كانت حركات تحرر؟ أم تعبيرا عن ثورة؟
الذي عايش سنوات الخمسينات من القرن العشرين قلما يخالجه شعور بأن الثورة بمعناها التقليدي كانت مطلبا جماهيريا عربيا ملحا ليس ردا على وقوع النكبة(1948) فحسب، بل وردا على نتائج حربين عالميتين أسفرتا عن انهيار لنظام الخلافة الإسلامي وتجزئة الوطن العربي وتفكيك لعرى التواصل بين جنبات الوطن الواحد … حتى استفاق الناس على نكبة من نوع مختلف لم يسبق لهم أن خبروها حتى في المخيال الشعبي. فلم يسبق لأية قوة غازية في التاريخ العربي والإسلامي أن خلفت نتائج مصيرية حاسمة من هذا النوع الذي خلفته الهجمة الاستعمارية الأوروبية على الوطن العربي في مطلع القرن العشرين، وبالتالي فإن حالة الغضب والاحتقان والشعور بحجم الإهانة غير المسبوقة والتي لحقت بالأمة العربية ما كان لها أن تمر دون الاستعداد لثورة شاملة في وقت مبكر وعلى المستوى العربي برمته.

ولكن؛ لأن أشد حالات الغضب والاحتقان استوطنت لدى الفلسطينيين الذين ظلوا يعيشون في رحم الدولة اليهودية الدخيلة وبين جموع اللاجئين في الشتات؛ ولأن هؤلاء كانوا مهيئين للثورة أكثر من غيرهم فقد شكلوا مهد الثورة المنتظرة لا لتعبر عن حاجة فلسطينية فقط بل عن وضعية ثورية عربية شاملة قدمت نفسها كطليعة عربية حتى وإن ظهرت بصيغة فلسطينية الشكل. في هذا السياق وغيره كالخشية من امتلاك الكيان الصهيوني لأسلحة ذرية وتجذر خطر الدولة اليهودية، فمن الممكن وصف النشاطات الفلسطينية المسلحة باعتبارها نواة لثورة عربية شاملة أكثر منها حركة تحرر.

ولكن هل يعفي هذا التوصيف الانطلاقة الفلسطينية المسلحة سنة 1965 من كونها حركة تحرر أكثر منها ثورة؟
لا ريب أن الانطلاقة التي فجرتها حركة « فتح» لم تكن مجرد استجابة لواقع عربي مهموم بقدر ما عبرت كذلك عن حاجة فلسطينية ماسة للملمة الشتات الفلسطيني من حالة اليأس والإحباط لاسيما بعد طي صفحة القضية الفلسطينية عربيا ودوليا لسنوات طويلة. بمثل هذه الأهداف المحلية فمن شأن الثورة أن تتحول إلى مجرد حركة تحرر وطني سيكون التخلص من الاستعمار الصهيوني الاستيطاني من أولى أولوياتها، وهو ما جرى إثباته في انفراد الحركة الفلسطينية برفض قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي خلال حرب العام1967 واستئناف الكفاح المسلح بعيدا عن موقف غالبية الدول العربية.

ولكن، ولخوض حرب تحريرية ينبغي البحث عن الشروط الموضوعية التي يمكن الركون إليها بحيث يصبح خوض الحرب أمرا ممكنا. ولعل فعالية أية حركة تحرر تستوجب التفكير ببناء التنظيم السري في مرحلة معينة، ودراسة الواقع بتشكيلاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والقيمية والدينية والأخلاقية عموما، والتوزيع السكاني وأنماط الحياة الاجتماعية، وطوبوغرافيا الأرض والعمليات الحربية، والإمكانيات المادية بالمقارنة مع إمكانيات العدو، والبحث عن قاعدة آمنة وملائمة، وتحديد استراتيجيات العمل ابتداء من حرب العصابات وصولا إلى الحرب الشعبية طويلة الأمد … كلها مسائل اعتبرت في صميم الحرب التحريرية التي يقع البت فيها قبل تحديد ساعة الصفر.

هذه المسائل كانت موضع نظر من قبل حركة « فتح» إلا أن الانطلاقة المسلحة كانت ذات صفة نخبوية لا جماهيرية، وسريعة جدا وخطرة. وبرغم استفادتها من الرصيد المعرفي المتوفر إلا أن «فتح» تجاوزت التحذيرات الصينية لقادتها لجهة الالتزام بقوانين الحرب الشعبية ونأت بنفسها عن أية أيديولوجيا أو أهداف سوى تحرير فلسطين. أما العضوية فيها فلم تشترط إلا الإيمان بمبدأ الكفاح المسلح، وأن يتخلى الراغب في الانتساب إليها عن ولاءاته السياسية والأيديولوجية لتكون حركة لكل الشعب الفلسطيني.

وقبل العام1967 لم يكن ثمة تنظيم عربي أو فلسطيني أو شبه فلسطيني يمتلك أية خبرة كافية أو تجربة عن عمل حركات التحرر الشعبية لدرجة أن الانطلاقة كانت مفاجئة لجميع القوى السياسية الرسمية والشعبية بما في ذلك جموع اللاجئين الفلسطينيين. أما بعد ذلك فقد سجل تحولين مثيرين في تاريخ الكفاح الفلسطيني:

الأول: تبني المنظمات الأخرى، وبصورة آلية، فيما عدا الحزب الشيوعي، الكفاح المسلح كمنهج وحيد للتحرير، فكانت النتيجة أن وقعت المنظمات الفدائية، بما فيها « فتح» ، في حيرة من أمرها لجهة تحديد هوية نشاطاتها المسلحة هل هي كفاح مسلح أم عمل فدائي أم مقاومة أم ثورة أم…إلخ ولم تكن الحيرة هذه لتقع لو أن النضال الفلسطيني كان واردا تأطيره في مشروع منظم ومدروس في حينه فلماذا هي كفاح مسلح وليست عملا فدائيا، مثلا، فهو أمر غير مفهوم؟ ولماذا هي ثورة وليست مقاومة، أو العكس، فهو أمر غير مفهوم أيضا. ولكن أيا من هذه التسميات من المفهوم بوضوح أن فعالياتها كان من الممكن أن تصل إلى أقصى مدياتها إلا من قدرتها على تحرير فلسطين.

الثاني: أن هذه الوضعية المحيرة والمشحونة عاطفيا ما لبثت أن سقطت في غياهب الفكر الماركسي الذي أخذ يكتسح دول العالم الثالث في أواخر الستينات من القرن العشرين حيث تبنت المنظمات الفدائية تباعا الأيديولوجية الماركسية اللينينية لتأطير نشاطها التنظيمي والمسلح محتجة بمقولات من نوع « لا ثورة بدون نظرية ثورية »، « إما أن تكون ثورة أو لا تكون»، « بناء الحزب الطليعي..الثوري ... البروليتاري» و« التنظيم الحديدي» … إلخ وغدت الساحة الفلسطينية والعربية مسرحا لنقاشات لا تنتهي قادتها دوريات « شئون فلسطينية، دراسات عربية، الطريق … » إلخ أما مواضيع البحث فوضعت حركة « فتح» في مستوى أول في مواجهة مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية على خلفية موضوعة الفرز الطبقي الداعية للإجابة على السؤالين: من هم أصدقاء الثورة؟ ومن هم أعداؤها؟ وفي مستوى ثاني أمام جبهة التحرير العربية ومنظمة الصاعقة على خلفية تلازم مرحلتي التحرر الوطني والتحرر الاجتماعي. ولم ينته هذا النقاش الذي قاطعه ياسر عرفات إلا بعيد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان(1975) ومن ثم التوجه نحو الحل السياسي للقضية الفلسطينية.

وإذا ما وقع الانطلاق من التسوية السياسية التي توجت بإعلان اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل في 13 /8 / 1993 فسنلاحظ أنه ينبني على حقائق الواقع وضغوطه وليس على الحقوق الحضارية أو التاريخية أو الإنسانية أو حتى مصطلح الحقوق ناهيك عن الحقوق الدينية التي لم تكن حاضرة لا بداية ولا نهاية. كما أن « الاتفاق» يخلو من تعبير «الأرض» ومن كلمة « احتلال» خلوا تاما ويستعمل بدلا من ذلك تعبير « المناطق المتنازع عليها». وهذا يعني أن « الاتفاق» صيغ بمقتضى المقالة الإسرائيلية التي تتعامل مع الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 باعتبارها « مناطق مدارة» من قبل « جيش الدفاع الإسرائيلي». وغني عن البيان أكثر فإن مكانة القضية الفلسطينية الراهنة عبر منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية لم تعد تتجاوز حدود التسوية السياسية. ومن الصعب التنبؤ بمستقبلها المنظور والمتوسط كونها تنبني، سياسيا، على المصالح في ظل اختلال كبير في موازين القوى وغير مسبوق، ولأنها تتجاهل، اجتماعيا، (أولا) التراث الديني بكل ما يشتمله من مخزون تشريعي وحضاري مٌحفز على الجهاد ومنكر للصلح مع اليهود و (ثانيا) التركيبة الاجتماعية والذهنية العشائرية أو القبائلية بكل ما تشتمله من قيم الثأر والغزو والانتقام و(ثالثا) إنكار للحقوق الفلسطينية وتعدِّ على الحقوق العربية لجهة فرض تقاسمها و (رابعا) استمرار المس بالكرامة العربية و (خامسا) المغالاة في نزعة التحقير الديني وصولا إلى المقام النبوي الشريف.

ولكن لنتساءل إن كانت التسوية محتوى طارئا في الممارسة السياسية الفلسطينية؟ أم أنها بفعل ضغوط الواقع؟

الثابت أن التسوية، كمصطلح، استوطنت المقالة السياسية الفلسطينية غداة انطلاقة الثورة الفلسطينية وبالتحديد بعد معركة الكرامة (آذار/مارس1968) جنوب الأردن. بيد أنها استُنزفت وأخذت تتلون من « دولة ديمقراطية» إلى « دولة علمانية ديمقراطية» إلى« سلطة وطنية مقاتلة» إلى « دولة مستقلة» في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى « وطن» كتعبير جرى ترويجه عشية انطلاق مفاوضات التسوية في مدريد وتجسد في اتفاق إعلان المبادئ عبر مشروع غزة – أريحا أولا.

والسؤال حقيقة ليس إن كانت التسوية طارئة أو متجذرة، بل كيف؟ وعلى أي أساس؟ ولأية أهداف تنطرح التسوية في حين أن مشروع الانطلاقة المسلحة الذي دشنته حركة « فتح» سنة1965 ودافعت عنه، فيما بعد، المنظمات الفدائية، كان في أوج بداياته، ومصمما على اعتماد الكفاح المسلح أسلوبا وحيدا في حسم الصراع مع الدولة اليهودية الغاصبة؟ إنه لمن المدهش حقا أن تكون الانطلاقة الأمل والطموح المنتظرين من قبل عشرات الملايين من العرب المطعونين في أعماق كرامتهم ومن مئات آلاف الفلسطينيين المثخنين جراحا وآلاما لا تضاهى وفي نفس الوقت تسير فعالياتها الأيديولوجية والحربية في اتجاه مخالف لفعالياتها السياسية. كيف نفسر هذا الجنوح الدراماتيكي نحو التسوية في وقت مبكر جدًا؟ ولماذا لم يترك الأمر لمنظمة التحرير الفلسطينية؟ هل يعني ذلك أن انطلاقة الثورة ارتبطت بسمات الشتات الفلسطيني غداة النكبة واحتياجات الشعب الفلسطيني، في تلك المرحلة، إلى حماية؟ وماذا عن المنظمات الفدائية اليسارية أو القريبة من الفكر الماركسي التي اعتنقت « الماركسية» على خلفية الحاجة إلى نظرية ثورية، وأشاعت التزامها بها طبقا لمضمون النظرية باعتبارها « دليل للعمل وليس عقيدة جامدة»، فهل استعملت « الماركسية» بما يتوافق مع واقع الشتات؟ أم أنها أُسقطت عليه بما يخالف محتوى النظرية وتطبيقاتها؟

ألا توحي هذه التساؤلات أن الانطلاقة الأولى، أيا كانت مضامينها الأيديولوجية، ربما لم تكن لتقو على أن تكون أكثر من بديل عن الشتات، أما أن تكون ثورة تحريرية طويلة الأمد فهي مسألة تحتاج، بالقطع، إلى التحقق منها؟

إلى هنا نكون بصدد التساؤل عن ماهية الجماعات الإسلامية بوصفها الوجه الآخر للحركة الوطنية الفلسطينية. وليس ثمة حرج إذا قلنا أن مساءلة الجماعات العلمانية لا تحرر الجماعات الإسلامية من المسئولية. فعلى المستوى الأيديولوجي تقدم الظاهرة الجهادية نفسها كبديل عن ظاهرة المقاومة الفلسطينية العلمانية التي فشلت مقالتها السياسية والأيديولوجية والحربية في التعامل مع القضية الفلسطينية.

إن تعبير الظاهرة الجهادية نستعمله، هنا، للتمييز بين الجماعات الدعوية والإصلاحية والجماعات التي تمارس الكفاح المسلح « الجهاد الإسلامي» ضد إسرائيل وتحصر نشاطاتها داخل فلسطين التاريخية. وهي جماعات تعتقد بالحل الإسلامي بديلا عن كل الأطروحات الأيديولوجية العلمانية الأخرى أيا كان مصدرها ومهما كان محتواها، وكذلك بديلا عن الأطروحات الإسلامية ذات النهج السلمي أو الانقلابي أو المؤجِّل للمواجهة المسلحة. لذا فان البحث سيقتصر على جماعتين هما « سرايا الجهاد الإسلامي– السرايا» و « الإخوان المسلمين – حركة حماس» حيث باتت الثانية تقدم نفسها كإجمالي للظاهرة الجهادية ورمز لاستمرارها.

وحين البحث في تاريخية الجماعتين، أي الكشف عن المحصلة التاريخية والأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لظهورهما فلا نتوقع سوى حزمة ضخمة من العقبات خاصة فيما يتعلق بالتأطير المنهجي لهما. إذ لكل منهما تاريخية مختلفة عن الأخرى ومناقضة أحيانا ومتشابكة أيضا وذات علاقات معقدة ومتشعبة تمس ظاهرة المقاومة الفلسطينية في العمق لاسيما حركة « فتح» ، كما تمس بالقدر ذاته كل الحركة الإسلامية العالمية على اختلاف مدارسها جماعات وأفراد. ورغم ذلك فالجهد العسكري والأيديولوجي وغيره من الجهود لا يتعدى حدود فلسطين. وهذا ما قد يؤشر على أن الفرضيات التقليدية من قبيل التي ترى: « أن الحركات - الإسلامية - وظهورها، كثيرا ما كانا متلازمين مع الأزمات التاريخية التي يتعرض لها المجتمع .. وأن هذا التلازم يكشف عن العلاقة الهيكلية بين هذه الحركات وطبيعة الفترة التاريخية التي نشأت فيها» قد لا تنطبق، مثلا، على « السرايا » بينما يبدو مفعولها محدودا جدا إذا ما تعلق الأمر بـ « الإخوان المسلمين». فهذه الجماعة لم تباشر فعالياتها الاجتماعية والاقتصادية والدينية والمؤسساتية بسبب أزمات اقتصادية أو اجتماعية، بل اختارت طواعية ومنذ وقت مبكر نهجا تربويا وإصلاحيا لم يكن حتى الفضاء الاجتماعي الذي طبق فيه اختياريا بقدر ما كان ناجما عن حراك سياسي أوجده فاعلون استراتيجيون في غفلة منهم، بل إن النشاطات الإجمالية مورست علنا دون أن تتسبب بأية غضاضة خلال السنوات الأولى التي أعقبت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة إلا حين لاح في الأفق تحولات أيديولوجية تدريجية منذ مطلع الثمانينات أسفرت عن اندراج الجماعة في قلب المواجهة المسلحة. ومع ذلك فليس من المستبعد أن يكون تضخم الجماعة جماهيريا وتنظيميا متصلا اتصالا مباشرا في الأزمات الشاملة التي يعيشها المجتمع الفلسطيني. ومن المفارقات التاريخية أن تتبادل إسرائيل وبعض الشرائح القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية الاتهامات حول المسؤولية عن نمو الظاهرة الجهادية ولو بطابعها الوطني.

فالثابت موضوعيا أن « السرايا » هي المسؤولة عن إطلاق شرارة الجهاد الإسلامي في فلسطين علنا ابتداءً من منتصف شهر تشرين أول/أكتوبر سنة1986. أما جماعة « الإخوان المسلمين» فقد لحقت بالظاهرة الجهادية مع اندلاع الانتفاضة الشعبية في أواخر سنة1987. ولما يكن الأمر كذلك فحريٌ بنا أن نتساءل، أولا، عن ماهية « السرايا » إزاء التخبط الكبير الذي رافق نشأتها وحتى تفككها واختفائها، وثانيا، عما إذا كان من الممكن أن تشكل مدخلا ملائما للتعرف على الظاهرة الجهادية وقراءتها من الداخل؟ وفي مرحلة لاحقة علينا أن نسائل جماعة « الإخوان المسلمين» عن الأسباب التي أدت إلى الابتعاد عن الكفاح المسلح وتأخير انطلاق الظاهرة الجهادية في فلسطين؟ وبماذا نفسر استئنافها للجهاد؟ أهي مِحَن الجماعة الأم وانعكاسها على الفروع؟ أم طغيان الفلسفة الإصلاحية؟ أم هو الحرج السياسي والأيديولوجي الذي تسببت به « السرايا » وأسفر عن وضع حد للتردد والجدل المزمن داخل الجماعة حول إشكالية « التأجيل» و « التعجيل» أو ما يعبَّر عنه في الأدبيات الإسلامية بجدلية « المفاصلة» و« المنازلة»؟

على كل حال فإذا كنا قد تبينا، إلى حد ما، مكانة الحركة الوطنية الفلسطينية إجمالا كحركة تحرر إلا أن تحديدا للمجال الاجتماعي لها ما زال أمرا شائكا، ذلك أن جر الشعب الفلسطيني إلى خوض حرب تحريرية وهو في حالة شتات فاقدا للجغرافيا والوحدة الديمغرافية، وهما الشرطان الأهم، مسألة جد معقدة، أفلا يستحق المجال الاجتماعي مزيدا من التحري؟

مما لم يعد ينكر، حتى الآن، أنه لا وجود في علم الاجتماع لنظرية واحدة فيها تعريف أو حدود أو معايير مضبوطة للمجتمع بحيث يمكن تقديمه بوصفه كينونة قائمة بحد ذاتها، أي منفصلة نظريا عن الظاهرة الاجتماعية. والشائع أن علم الاجتماع يتعامل مع المجتمع باعتباره حقلا للظواهر الاجتماعية وليس لكونه يتمتع بماهية ووجود مستقل عنها . وحسب « ألن تورين» فالمجتمعات عنده تظل، مهما كانت ضعيفة، ذات تاريخية. بمعنى أن حقل التاريخانية، وليس المجال الجغرافي ولا هيمنة الدولة على المجتمع ولا الصراع الطبقي التقليدي …الخ هو الذي يحدد اختيارات المجتمع وسيره وإنتاجه وإعادة إنتاجه لنفسه. فللمجتمعات دائما نشاطاتها وشغلها وعلاقاتها البينية التي تظل بمنأى عن تدخل الدولة والقوى المهيمنة، وهنا يكمن سر اشتغال المجتمعات، إذ أن حضور المجتمع واشتغاله ليس رهنا بضعف أو نفاذ هذه القوة أو تلك. فأين تقع المشكلة إذن؟

لعلها تقع حصرا في الواقع الفلسطيني. فإذا كانت الثورة ترتبط، لا محالة، بمجال اجتماعي محدد فالأجدى أن نسعى إلى تأطير الواقع الفلسطيني بحيث يستجيب للنظرية الاجتماعية. ففي الغالب يُفهم المجتمع على أنه كينونة مادية تشتمل، بالضرورة، على أفراد وجماعات يعبرون بمستوى ثقافي معين عن الرغبة (في) أو الحاجة (إلى) الاجتماع والتجمع بهدف العيش المشترك في بقعة جغرافية معينة. ولكن إذا حيَّدنا العبارة الأخيرة (البقعة الجغرافية) فماذا نتوقع؟ بعبارة أخرى: هل يفقد المجتمع وجوده إذا خسر الحيز الجغرافي الذي يرغب العيش فيه ؟
لا ريب أننا بصدد تعريف محدد لـ « الأرض»، وهو أمر بالغ الصعوبة. ومع ذلك يمكننا القول، على الأقل، أنها تمثل المساحة الاجتماعية والحضارية المحددة من الجغرافيا. وهذا يعني الوصول بالتفاعل السكاني مع الأرض إلى حيث الذروة في الزمان بحيث تبيت الأرض مخزنا للتاريخ والثقافة وإجمالي التصورات والرموز والمكاسب والمخاسر…الخ إنها بمحتوى آخر كل الذاكرة الجماعية والمخيال الاجتماعي ماضيا وحاضرا ومستقبلا. لذا فقيمتها تتحدد بالحدث الاجتماعي والديني الواقع عليها. ولمّا يقع تفكيك المجتمع قسرا فمن المؤكد أنه سيحتفظ بقيمته كاملة وإلا غدت الأرض، عند أدنى هزة، بلا تاريخ. هذا يعني أن المجتمع عند الفلسطينيين لم يندثر بالرغم من تفككه جغرافيا وديمغرافيا، فعلى الجانب الآخر بات يعبر عن تركيبة ذهنية سليمة بل مستنفِرة في أقصى حالاتها، وتغذيها وضعية الشتات الديمغرافي المُثقَل بمشاعر الحرمان والاضطهاد والقهر والتهديد بالفناء.

إلى هنا تتبدى لنا ملامح المجال الاجتماعي للثورة والذي يتشكل (أولا) من التفاعل بين الواقع الفلسطيني الجديد من جهة والواقع الاجتماعي العربي المحيط من الجهة الثانية والذي تجلى بسلسلة من التجمعات المحملة بمسميات عدة. وعلى امتداد صفحات البحث من الواجب بيان المصطلحات التي سنستعملها للتعبير عن الواقع الاجتماعي الفلسطيني والذي يشكل المجال الاجتماعي المركزي للثورة وللجماعات الإسلامية ومثلهما:

أولا: المجتمع المفقود

هو المجتمع الذي يستغرق إجمالي الواقع الفلسطيني الاجتماعي إبان وغداة قيام الدولة اليهودية على القسم الأعظم مساحة من فلسطين. ويشتمل على كل الفلسطينيين الذين واصلوا العيش في فلسطين المغتصبة (1948) أو بين ظهراني الدولة اليهودية (إسرائيل)، وأولئك الذين طردوا إلى خارج فلسطين، وكذلك الذين لم يتعرضوا للاغتصاب والتشريد ممن يعيشون فيما تبقى من فلسطين وهم سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس. وفي نطاق هذا المجتمع سترد مصطلحات مثل « مجتمع النكبة» أو« مجتمع اللجوء» أو « مجتمع الشتات» أو « مجتمع المنفى» لتعبر، بصيغة الجمع أو المفرد، عن مئات آلاف الفلسطينيين الذين وقع طردهم من فلسطين ابتداء من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر1947 ومن كان خارج فلسطين ولم يسمح له بالعودة إليها. كما يرد تعبير « الخارج» ليدل على أولئك الذين لجئوا للعيش خارج فلسطين كليا، أو ليعبر عن مجتمعات الشتات أو المنفى.

ثانيا: الشعب الفلسطيني

هو صيغة سياسية وإعلامية وأيديولوجية توازي صيغة المجتمع المفقود وتعبر عنه. وقد استٌعملت للدلالة على هوية الشعب الفلسطيني ووحدته داخل فلسطين وخارجها.

ثالثا: المجتمع الفلسطيني

هو صيغة حديثة يقع تناولها عادة للدلالة، بالتحديد، على السكان الفلسطينيين اللاجئين وغير اللاجئين ممن يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس أو ما يٌعرف، كمصطلح وارد، بـ « الأراضي المحتلة» سنة 1967. وفي أحايين أخرى نستعمل تعبير « فلسطين المحتلة» بديلا عن ذلك وتمييزا له عن « فلسطين المغتصبة» سنة 1948. وفي أوساط سياسية خاصة في منظمة التحرير الفلسطينية راج استعمال تعبير « الداخل». لذا يمكن الحديث عن « مجتمع الداخل» كتعبير مرادف يؤدي المحتوى ذاته. وعندما نستعمل تعبير « مجتمع الكارثة» كمرادف محتمل فذلك للتمييز به عن « مجتمع النكبة». ومن الأهمية، بمكان، ملاحظة التمايز في هذا المجتمع والذي قد يؤدي إلى الحديث، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، عن « مجتمع الضفة» و « مجتمع غزة».

رابعا: المجتمع المنشود

هو صيغة منهجية مبتكرة يجري البحث عنها في أيديولوجيات المنظمات الفدائية الفلسطينية لتعبر عن « مجتمع الثورة ». ومن المفترض أنه يشكل ضمن شروط أيديولوجية صارمة عبرت عنها المنظمات الماركسية الفلسطينية جزء معينا من المجتمع المفقود. إذ أن « مجتمع الثورة » المنشود شكل الهدف المركزي باعتباره مادة الثورة الذي ستكون مهمته قيادة الثورة في حربها التحريرية ضد إسرائيل.
هذه هي المكونات الإجمالية لِما نفترض أنها تشكل المجتمع الفلسطيني. ولكن حين التصدي له بالبحث ينبغي توخي الحذر. فهو ليس مجتمعا تقليديا ولا مألوفا وليس فيه شيء من اليسر.

ملاحظة

المحتويات

الجداول والملاحق 10
كلمة لا بد منها 11
المدخل 13
مقدمة في مفهوم الثورة 16
في مفهوم حركات التحرر 21
صيرورة حركة التحرر الفلسطينية 22
الجزء الأول: تاريخية ظاهرة الثورة الفلسطينية 31
المسألة الأولى: المجتمع المفقود 37
الفصل الأول: معاينة إحصائية للشتات الفلسطيني 39
أولا: فلسطين المغتصبة سنة 1948 39
ثانيا: فلسطين المحتلة سنة 1967 39
ثالثا: مجتمعات المنفى 44
رابعا:عدد اللاجئين، تقديرات مختلفة 48
الفصل الثاني: تركيب الشتات الفلسطيني (1967-1948)، مقاربتان: 55
أولا: المقاربة الأولى، الأشكال الاجتماعية الجديدة أو المخيم 55
1.البنى واستعمالات الأرض 56
2. البنية الاجتماعية ومنظومة العلاقات 58
3. هل يمثل المخيم نموذجا للمجتمع الفلسطيني؟ 62
ثانيا: المقاربة الثانية، « طبقية » المجتمع الفلسطيني 64
1. المعدمون 67
2. الموسرون 72
3. ما بين الطبقتين 86
المسألة الثانية: التكون التاريخي لكبريات المنظمات الفدائية الفلسطينية 95
الفصل الأول: التيار اليساري ( المنظمات الماركسية اللينينية والبعثية ) 97
أولا: حركة القوميين العرب – الصعود 97
 الصيغ التنظيمية الأولى: 97
1. كتائب الفداء العرب 97
2. جمعية العروة الوثقى 100
3. حركة القوميين العرب ( الشباب القومي العربي ) 102
4. إقليم فلسطين 103
 الجذور النفسية والاجتماعية وعلاقتها بالأيديولوجيا 105
1. « الثابت والمتحول » في الأيديولوجيا 108
ثانيا: حركة القوميين العرب – التفكك 118
2. الأجنحة العسكرية والمنظمات الفدائية في الحركة عشية الكارثة وغداتها 119
3. 1. الجبهة القومية لتحرير فلسطين ( منظمة شباب الثأر ) 119
2. منظمة أبطال العودة 119
3. ائتلاف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 119
4. الانشقاقات الكبرى داخل الائتلاف والتنظيم الأم 120
5. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وظاهرة الانشقاق في الجبهة 120
2. الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين 127
3. الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة- وانشقاقها 130
ثالثا: منظمات يسارية أخرى: جبهة النضال الشعبي 132
رابعا: المنظمات الفلسطينية البعثية 133
6. موقف حزب البعث والقضية الفلسطينية 133
7. المنظمات البعثية الفدائية: 135
8. جبهة التحرير العربية 135
9. 2. طلائع حرب التحرير الشعبية- قوات الصاعقة 138
الفصــل الثاني: التيار المستقل (حركة التحرير الوطني الفلسطيني- فتح ) 141
أولا: الهوية التنظيمية 142
 هوية الجماعات المؤسسة 143
1. مجموعة طلبة الجامعات المصرية 143
2. مجموعة قطاع غزة 149
3. مجموعة ألمانيا وأوروبا 154
4. مجموعة السعودية وقطر والكويت 155
 التركيب التنظيمي للمجموعات 158
1. التأريخ لنشأة « فتح » بين إشكالية البداية والتأسيس 158
2. بين النشأة والتوسع : ديناميات التفاعل 161
3. البنية الاجتماعية ومبررات النشأة 163
ثانيا: الهوية السياسية 170
 الاضطهاد: أي محتوى؟ وأي مبرر؟ 171
1. الهوية بين عشق القومية وضرورة القطرية 173
2. مجلة « فلسطيننا - نداء الحياة » : القناة الفاعلة 175
3. دعوى « فتح » 176
4. الشخصية المستقلة والفدائي البطل 179
ثالثا: « فتح » والأيديولوجيا 182
المسألة الثالثة: مجتمـع الثـورة 190
الفصل الأول: البحث عن مجتمع الثورة ( المجتمع المنشود ) 192
أولا: حرب الشعب من كلاوزفيتز إلى لينين 192
1. الثورة الصينية 195
2. الثورة الفلسطينية ( 1965- آذار/ مارس1968 ) 198
ثانيا: مجتمع الثورة عند التيار اليساري 201
1. الطبقة العاملة 202
2. المثقفون الثوريون 203
3. البرجوازية الكبيرة 203
4. البرجوازية الصغيرة 205
ثالثا: مجتمع الثورة عند التيار المستقل وإشكالية التحرر الاجتماعي 207
1. المقاربة الأولى: الفرز الطبقي 207
2. المقاربة الثانية: التحرر الاجتماعي 211
الفصل الثاني: نقد المجتمع المنشود ( تحليلات مقارنة وبعض الاستنتاجات ) 216
الجزء الثاني: تاريخية الظاهرة الجهادية في فلسطين 225
المسألة الأولى (تمهيدية): التأصيل للفكر الجهادي، من أين البداية ؟ 226
 المدخل إلى نشأة الظاهرة الجهادية في فلسطين 227
الفصل الأول: « تنظيمات الغضب الإسلامي في مصر السبعينيات» 236
أولا: جماعة المسلمين « التكفير والهجرة » 236
ثانيا: جماعة « الكلية الفنية العسكرية » 241
ثالثا: جماعة الجهاد « الفريضة الغائبة» 248
رابعا: الجماعات الإسلامية 255
خامسا: ملخصات لوثائق جماعات الجهاد 257
المسألة الثانية: سرايا الجهاد الإسلامي « السّـــرايا» 261
الفصل الأول: الجماعات المكونة 261
أولا: جماعة لجنة التنظيم الطلابية « العامل المساعد– لبنان» 261
 البنى التحتية الستراتيجية 265
1. السرية الطلابية « كتيبة الجرمق » 267
2. مهمات الأراضي المحتلة 269
 تاريخية المجتمع السياسي والروافد التنظيمية 271
1. الجماعات الطلابية والتلمذية 271
2. الجماعات المقصاة في المجتمع اللبناني 273
3. السجون الإسرائيلية والأراضي المحتلة 275
القيادة وديناميات التفاعل 276
1. على مستوى حركة « فتح » والثورة الفلسطينية 276
2. الجماهير الشعبية والجماعات الاجتماعية 279
3. العلاقة بين القمة والقاعدة 282
 بين الماركسية والإسلام 285
ثانيا: الجماعة الإسلامية في السجون الإسرائيلية « المنفلشون » 288
1. البنية التنظيمية الداخلية 288
2. تاريخية الجماعة الإسلامية 290
3. قوة الجماعة في الخارج 296
ثالثا: طلبة الجامعات المصرية « حركة الجهاد الإسلامي » 298
1. الأنوية الأولى وتفاعلات النشأة 300
2. المأسسة التنظيمية 302
الفصل الثاني: تركيب الجماعات الثلاثة 305
1. تأسيس « السرايا » 305
2. مصباح الصوري وبداية الأسطورة 308
3. السرايا: تفكك ؟ أم نهاية دور ؟ 312
المسألة الثالثة: جماعة الإخوان المسلمين وحركة « حماس» 320
الفصل الأول: تاريخية الجهاد لدى « الإخوان المسلمين» الفلسطينيين 324
أولا: المحن والبديل 324
ثانيا: الفلسفة الإصلاحية، تأجيل للجهاد؟ أم محتوى آخر؟ 327
1. معسكرات الشيوخ 328
2. المأسسة الدينية والاجتماعية 330
1. المقاومة المسلحة 335
2. المقاومة السلبية 338
3. الانطلاقة؟ 339
الفصل الثاني: المحددات السوسيولوجية للفلسفة الإصلاحية « التأجيل » 344
أولا: نقض المبررات التقليدية 344
ثانيا: معاينة اجتماعية للفلسفة الإصلاحية وآثارها 346
ثالثا: العناصر النسقية في استمرار الفلسفة الإصلاحية 348
1. القيـــادة 348
2. البيعـــة 351
3. مبدأ « السلامة العامة » 353
4. تراث الجماعة الأم ومسألة الجهاد 355
الفصل الثالث: حركة المقاومة الإسلامية « حماس» 362
أولا: هوية « الإخوان المسلمين» الفلسطينيين 362
1. المرجعية القانونية قبل النكبة (1948) 363
2. المرجعية القانونية بعد النكبة 366
ثانيا: المكانة القانونية للفروع في التنظيم الدولي 370
ثالثا: هوية حركة « حماس» التنظيمية 372
1. الجناح المؤسس 372
2. الامتدادات التنظيمية 374
المسألة الرابعة: البنية الاجتماعية للظاهرة 377
 البنية الاجتماعية للسرايا 379
الفصل الأول: البنية الاجتماعية لـ « الإخوان المسلمين» و « حماس » في فلسطين المحتلة 381
أولا: التحليل الماكرو سوسيولوجي للعينة 382
ثانيا: التحليل الميكرو سوسيولوجي للعينة – مرحلتان: 384
 المرحلة الأولى: إعادة توصيف العينة 385
1. الأصول الاجتماعية 385
2. التدين أو الإقبال على الدين 387
3. التشغيل 388
 المرحلة الثانية: مناقشة التوصيفات 390
1. المقاربة الأولى: حصار مجتمع 390
2. المقاربة الثانية: تقاسم للنفوذ؟ أم نهوض للريف 393
3. المقاربة الثالثة: التثاقف الديني 396
4. المقاربة الرابعة: الثقافة العشائرية والمدخل إلى العلاقات الاجتماعية والتنظيمية 397
 خلاصة التحليل 399
 ملاحق المسألة 401
 ملاحظات ختامية عاجلة 405
 قائمة المصادر والمراجع: 410
أولا: الوثائق 410
ثانيا: النشريات الوثائقية 411
ثالثا: المقابلات الشخصية 411
رابعا: الموسوعات والمعاجم 412
خامسا: المصادر والمراجع ( الكتب ) 412
سادسا: الدوريات المنتظمة 419
سابعا: المجلات 422
ثامنا: الصحف والتقارير 422

الجداول والملاحق

رقم الجدول اسم الجدول رقم الصفحة
1 قائمة بمخيمات اللاجئين في الضفة الغربية مشتملة على عدد السكان لسنة 1955 وسنة التأسيس والمساحة والموقع على مستوى المنطقة والمكان. 41
2 قائمة بمخيمات اللاجئين غير المنظمة في الضفة الغربية. 42
3 قائمة بمخيمات اللاجئين وأماكن تجمعاتهم في قطاع غزة مشتملة على عدد السكان وسنة التأسيس والمساحة والموقع وطاقة الاستيعاب. 43
4 قائمة بمخيمات اللاجئين في الضفة الشرقية وعدد السكان وسنة التأسيس. 45
5 تطور التوزيع الجغرافي للفلسطينيين في الخارج خلال أعوام 1970،1975، 1982/ بالآلاف 47
6 عدد اللاجئين في نهاية شهر حزيران من كل سنة. 50
7 ملخص التقديرات السابقة لعدد اللاجئين. 54
8 عدد المعسكرات وعدد اللاجئين الذين تؤويهم وكالة الغوث (1950-1960). 63
9 قيمة الأملاك المستولى عليها والمنهوبة والمشمولة بقرار التعويضات بملايين الدولارات حسب أسعار تقديرية لسنة 1950. 68
10 ملخص قيمة الأملاك المنهوبة في المدن والقرى بملايين الدولارات/ مستخرج من الجدول السابق. حتى آخر حزيران من كل سنة. 69
11 التوزيع المهني للعاملين في قطاع غزة من السكان الأصليين سنة 1949. 77
12 المساحة المزروعة في قطاع غزة ونوع المحصول في سنوات مختارة/ بالدونم. 80
13 قائمة بأبرز مؤسسي حركة فتح. 165
14 الفئآت العمرية للمبعدين. 383
15 توزع المبعدين من الضفة الغربية على المراكز السكانية. 386
16 توزع المبعدين من قطاع غزة على المراكز السكانية. 386
17 توزيع الطلبة وخريجي الدراسات الإسلامية على مختلف الشهادات العلمية. 387
18 مدى تشغيل الخريجين في تخصصاتهم أو خارجها. 389
19 توزع الطلبة على قطاعات العمل المختلفة. 389
رقم الملحق اسم الملحق رقم الصفحة
1 توزع المبعدين من الضفة الغربية على المراكز السكانية. 401
2 توزع المبعدين من قطاع غزة على المراكز السكانية. 402
3 حملة شهادة الدكتوراه من الضفة وغزة حسب معايير العمر، الإقامة والمهنة. 402
4 حملة شهادة الماجستير من الضفة وغزة حسب معايير العمر، الإقامة والمهنة. 403
5 توزيع الطلبة وخريجي الدراسات الإسلامية على مختلف الشهادات العلمية. 404

الهوامش

1 سلامة ( غسان ).- المجتمع والدولة في المشرق - مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، لبنان - الطبعة الأولى، 1987 ص 42.

2 حتى نهاية العهد العثماني؛ كانت بيت المقدس تمسح 22 ألف كيلو متر مربع . أي أكثر ، قليلا، من أربعة أخماس مساحة فلسطين. وهي أحد ثلاثة متصرفيات ( سناجق ) عثمانية إلى جانب " عكّــا " و " نابلس " .

3 في هذا الصدد يمكن مراجعة المقالات التالية: السطنبولي (فرج): ملاحظات منهاجية حول اجتماعيات الثورة في الوطن العربي، وكذلك عبد اللطيف(كمال): حركة التحرر العربي، المفهوم والأهداف الممكنة – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت، لبنان – المستقبل العربي - العددان 11و119/ يناير،كانون الثاني 1981/1989 على التوالي.

4 في الواقع تم استبعاد شبه كامل للتراث الثوري التاريخي العربي والإسلامي،وكان السبب في ذلك صعود النظرية الثورية الماركسية اللينينية ونجاح الثورات الآسيوية خاصة في الصين وفيتنام وكوريا الشمالية ولاوس وكمبوديا، والأميركية اللاتينية خاصة كوبا. هذه النجاحات تمثلت بها الثورة الفلسطينية مثلما تمثل مقاتلوها برموز الكفاح الأممي أمثال الزعيم الفيتنامي "هوشي منّة" وجنراله الفذّ "جياب"و الزعيم الصيني "ماو تسي تونغ" والزعيم الكوري"كيم إيل سونغ" والزعيم الكوبي "فيدل كاسترو" ورفيق دربه "آرنستو تشي جيفارا" الذي تحول إلى أسطورة عالمية ملهمة للشباب المكافح .

5 الحافظ(مهدي): إشكالية العلاقة بين السلطة والثورة - مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت،لبنان – المستقبل العربي - العدد95 - يناير،كانون الثاني1987 / ص106،107.
فيذرستون(مايك)،إعداد.- ثقافة العولمة،القومية والعولمة والحداثة –المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة - الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية -بلا مكان للنشر – ترجمة، عبد الوهاب علوب -1998- مقالة، ألن تورين: فكرة الثورة / ص128-130.

6 هذه الثورات هي: الثورة الإنجليزية (1660) التي انطوت على حدث فريد تمثل بمحاكمة الملوك وإعدامهم بواسطة عامة الشعب. والثورة الأميركية (1775) التي استنت قاعدة جديدة في العلاقة بين الحكام والشعوب" لا ضرائب بلا تمثيل"، أي لا واجبات على المواطن حيال الدولة بلا حقوق. والثورة الفرنسية (1879) التي جاءت بميثاق حقوق الإنسان والمواطن والذي أصبح ميثاقا عالميا. والثورة الشيوعية في روسيا(1917) التي شددت على أن المساواة السياسية بمعزل عن المساواة في فرص الحياة تعني أنها مجرد حق. والثورة الصينية (1949) التي قدمت فئات الفلاحين كرواد للنضال والحرب الشعبية طويلة الأمد. راجع: الكيالي (عبد الوهاب)، مؤسس/نعمة (ماجد)، مدير تحرير.- موسوعة السياسة (هجائية)- المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت، لبنان - سبعة أجزاء ، وما زالت مستمرة في التنقيح ومواكبة الأحداث - الجزء الأول - الطبعة الأولى،1986. وكذلك: مجموعة باحثين.- مصر والعروبة وثورة يوليو- مركز دراسات الوحدة العربية - بيروت، لبنان – سلسلة كتب المستقبل العربي3- الطبعة الأولى، تشرين الثاني/نوفمبر1982-مقالة، سعد الدين إبراهيم: ثورة يوليو وإعادة تفسير التاريخ- ص8.
كرازين (يوري).- علم اجتماع الثورة (سوسيولوجيا الثورة): نظرة ماركسية - الثقافة الجديدة – القاهرة، جمهورية مصر العربية - ترجمة: شوقي جلال-1974. ومن الآن فصاعدا سنُعَرِّف بالمرجع باسمه "علم جتماع الثورة" كلما لزم الأمر. أما التعريفات المقتبسة فسنكتفي بذكر رقم الصفحة أو الهامش أو كليهما بجانبها. ومن التعريفات التي تهتم بالجوانب الدستورية تلك التي ترفض الثورة بحجة المساس بالشرعية. ومن بين هؤلاء كرين برينتون Crane Brinton ” “ صاحب كتاب "تشريح الثورة" الأشهر من بين الكتب الغربية، فالثورة بالنسبة له: "محاولة خارجة عن القانون تتسم عادة بالعنف لتغيير الحكومة القائمة (ص27)"، ونهايتها الفشل بما أنها ستنتهي بـ "الرِّدة ". أي إلى مرحلة ما قبل الثورة". أما بيتر أمان “ Peter Amann ” فيقول عنها: "يمكن وصفها بأنها انهيار، لحظي أو على مدى طويل، لاحتكار الدولة للسلطة، وتكون مصحوبة عادة بتخفيف لقيود عادة الخضوع والطاعة (ص 27)". ويقدمها ب . شريكر “ P Schrecker ” على أنها "تغيير غير مشروع للظروف المشروعة (ص 27 )". وعند كارل فريدريك “ Carl Fredreck ” عنيفة الطابع؛ فهي "الإطاحة بصورة عنيفة وفجائية بنظام سياسي مستقر (ص27،هامش1)". وخلافا لذلك يرى ل. ب إدوارد “ L.p Edward ” في الثورة "تغيير لا يحدث بالضرورة عن طريق القوة والعنف وإن كان يحل نظام جديد محل نظام آخر كان مشروعا (ص27 ،هامش1)".
 من التعريفات المهتمة بالجانب السوسيولوجي للثورة ما يقرره "بارسونز" بتعبير "دوركايمي" أن "الثورات هي انحرافات مرضية تبعد عن"التوازن" المستقر لبنية السلطة (ص29)".لذا فهو يرفض فكرة وجود احتكار للسلطة في المجتمع طالما أنها موزعة أو مقسمة بين جماعات وتنظيمات.ويفصح تشالمارز جونسون “Chalmars Johnson ” عن جواهر التحليل النسقي الحديث حين يشير إلى أن "النموذج المجتمعي الوظيفي البنيوي ننظر إليه خطأ باعتباره انعكاسا لمجتمع سكوني" إذ أن "..الحالة التي تسبب اختلال في التوازن.. و.. نسميها اختلالا وظيفيا.. يولد الحاجة إلى التغير. وإذا قاومت الصفوة صاحبة السلطة هذا التغيير،وإذا بلغ الاختلال الوظيفي مستوى يتجاوز القدرة على تغيير النظام فإن التغييرات تكتسب هنا طابعا ثوريا (ص30)". إن مثل هذا التحليل لا يختلف قط عما يقدمه روبرت ميرتون “ Robert Merton ”، بل أنه يكاد يطابقه؛ فـ"الاختلال الوظيفي يتضمن مفاهيم التوتر والإجهاد والضغط على المستوى البنيوي، وهو ما يوفر نهجا تحليليا لدراسة الديناميات والتغير.ولأنها قد تؤدي بالمجتمع إلى حالة من =

= عدم الاستقرار فإن التمرد هو الاستجابة أو الرد على الاختلالات الوظيفية.وعندما يصبح التمرد أمرا مستوطنا في جزء أساسي من المجتمع فإنه يشكل قوة كامنة للثورة التي تعيد تشكيل كل من البنية المعيارية والاجتماعية (ص29)".

*شددت "فتح" دائما على أن الثورة الفلسطينية هي فلسطينية الشكل، عربية الجوهر والمضمون وعالمية المحتوى.

* انطلقت أول تسوية سياسية بين العرب و إسرائيل في العاصمة الإسبانية – مدريد في 30 أكتوبر/ تشرين أول سنة 1991 في أ عقاب حرب الخليج الثانية بمبادرة من الرئيس الأميركي جورج بوش . وانعقد المؤتمر باسم " المؤتمر الإقليمي للسلام في الشرق الأوسط ".
 من الملفت للانتباه أن البيان السياسي الصادر في أعقاب الدورة غير العادية للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر ، الدورة التاسعة عشرة ( 12 - 15 تشرين الثاني / أكتوبر 1988 ) اعترف للمرة الأولى بالقرارين 242 و 338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي سنتي 1967 و 1973 على التوالي باعتبارهما أساسين لانعقاد المؤتمر الدولي للسلام الذي أمسى يشكل مطلبا فلسطينيا وعربيا لحل الصراع العربي - الإسرائيلي علما أن ذات القرارين تكرر رفضهما في الدورة الثامنة عشرة للمجلس بحجة انهما لا يستجيبان للحقوق الفلسطينية المشروعة ولا يلبيان تطلعات وطموحات الشعب الفلسطيني ، وهو ذات الرفض في الدورات السابقة .
وفي سنة 1991 ألقى هاني الحسن أحد أبرز منظري السياسة الواقعية في حركة "فتح" و منظمة التحرير الفلسطينية واحدة من أشهر محاضراته في العاصمة البريطانية - لندن تحدث فيها عن جهود مضنية بذلتها القيادة الفلسطينية علىامتداد ربع قرن من الزمن استهدفت ترويض الشعب الفلسطيني للقبول بتسوية الصراع العربي – الإسرائيلي سلميا على أساس القرارين المذكورين أعلاه. ومثل هذه التصريحات بات من الممكن البوح بها. =
= أما شقيقه الأكبر خالد الحسن (أبو السعيد) فقد أخذت مواقفه تتغير منذ منتصف الثمانينات. وقبيل وفاته بأسابيع في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية – عمان زارته أسرة تحرير مجلة "فلسطين المسلمة" وكان من بين المعيدين له أحد القيادات التاريخية لحركة "فتح" وهو رفيق شاكر النتشة (أبو شاكر) الذي تنهد ( قال بوجود الأستاذ منير شفيق): "والله يا أبو السعيد إننا نحتاج لمثل أعمارنا من السنين لنقضيها في استغفار الله عما فعلناه من تضليل لشعبنا خلال المسيرة الماضية ". وتقول (المجلة): لم يكن رد خالد الحسن لحظة ذاك إلا أن أ مَن على ذلك وقال: " وسوف تكون نعمة كبيرة بعد ذلك إذا غفر الله لنا ذلك".راجع: مجلة "فلسطين المسلمة "- شهرية - لندن، المملكة المتحدة - تشرين الثاني/نوفمبر1994 - ص30 .
8 الهر ماسي (عبد الباقي).- الدين في المجتمع العربي، ندوة: مقالة "علم الاجتماع الديني: المجال - المكاسب – التساؤلات" - مركز دراسات الوحدة العربية / الجمعية العربية لعلم الاجتماع - بيروت، لبنان - الطبعة الأولى،حزيران/ يونيو1990 - ص22 .

9 يشير عالم اجتماع بريطاني " أن إحدى الطرق التقليدية في تقسيم النظريات الاجتماعية هي، التفريق بين النظريات "الكلية" والنظريات "الفردية". فالأولى تبدأ "بالمجتمع" ككل معتبرة إياه شيئ أكبر من مجموع المكونين له. وعلى هذا تُرى أفعال الأفراد باعتبارها أفعالا يحددها المجتمع الذي يشكلون جزء منه.أما الاتجاه الآخر فإنه يبدأ بالأفراد ويرى المجتمع نتاجا لأفعالهم.وثمة اتجاه ثالث توفيقي يرى "أن الأفراد يخلقون المجتمعات والمجتمعات تخلق الأفراد". يمكن مراجعة: كريب (إيان).- النظرية الاجتماعية: من بارسونز إلى هابرماس – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت – سلسلة عالم المعرفة، شهرية / 244 – ترجمة: محمد حسين غلوم، مراجعة: محمد عصفور – نيسان، أفريل 1999 - ص245.

10 هنا نلتقي مع النسقية المعاصرة التي تحاول إعادة قراءة تراث "بارسونز".فهذا التيار يعتقد بنظرية النسق المفتوح Open System” ”.وينقل "كريب" عن "أنتوني جدنز" القول: "أننا نخطئ حين نفكر بالمجتمعات واستمرارها =
= كما لو أنها تحدها الحدود الجغرافية"وما يفضله هو الحديث عن "أنساق مفتوحة ".لدى: كريب (إيان).- النظرية الاجتماعية … - المرجع السابق - ص178 .

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

6 من الزوار الآن

879865 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق