المعركة-فصلية
خلف العدو دائماً ولا اشتباك إلا معه....

Categories

الصفحة الأساسية > 5.0 دراسات ومعالجات > الفكر السياسي > فصول في مرتكز الصهيونية اليهودي

21 أيار (مايو) 2018

فصول في مرتكز الصهيونية اليهودي

- الفصل الأول : نشأة اليهودية

1- التعريف باليهودية وأصلها
2- سبب تسميتهم
3- عقيدتهم
4- صفاتهم وأخلاقهم
5- الصهيونية وعلاقتها بهم
6- نشأة اليهود.
7- خصائص الحياة في المجتمعات اليهودية

- اليهودية Judaism

1- تعريفها وأصلها :
هي الملة التي يدين بها اليهود وهم أمة موسى عليه السلام .
كانت في أصلها - قبل أن يحرفها اليهود – هي الديانة المنزلة من الله تعالى على موسى عليه السلام ، وكتابها : التوراة . وهي الآن ديانة باطلة لأن اليهود حرفوها ولأنها نسخت بالإسلام .

2- سبب تسميتها :
- سميت اليهودية بذلك نسبة إلى اليهود ، وهم أتباعها ، وسموا يهوداً : نسبة إلى (يهوذا) ابن يعقوب الذي ينتمي إليه بنو إسرائيل الذين بعث فيهم موسى عليه السلام ، فقلبت العرب الذال دالا.؟
- وقيل : نسبة إلى الهود ، بشدّ الدال ، وهو التوبة والرجوع ، وذلك نسبة إلى قول موسى لربه : ((إنا هدنا إليك)) أي تبنا ورجعنا إليك ياربنا ، وذلك أن بني إسرائيل حين غاب عنهم موسى عليه السلام وذهب لميقات ربه ، صنعوا عجلا من ذهب وعبدوه ، فلما رجع موسى وجدهم قد ارتدوا فغضب عليهم وأنبهم فرجع أكثرهم وتابوا ، فقال موسى هذه الكلمة . فسموا هوداً ثم حولت إلى (يهــود) والله أعلم .

3- عقيدة اليهود :
- كانت عقيدة اليهود قبل أن يحرفوها ، عقيدة التوحيد والأيمان الصحيح المنزلة من الله تعالى على موسى عليه السلام ، لكنهم حرفوها وبدلوها وابتدعوا فيها ما لم ينزله الله .

بداية الانحراف :
- بدأ انحراف بني إسرائيل (اليهود) في عهد موسى عليه السلام ، وهو حي بين أظهرهم ، حيث طلبوا منه أن يريهم الله تعالى ، فقالوا له ((أرنا الله جهرة)) .
- ثم لما مات موسى عليه السلام ، أخذوا يحرفون دين الله ويبدلون في التوراة فقالوا ((عزيزٌ أبن الله )) 30 التوبة، وقالوا ((نحن أبناء الله وأحباؤه )) 18 المائدة .
- إضافة ألي تبديلهم في أحكام الشريعة المنزلة على موسى عليه السلام ،وحرفوا نصوص التوراة ، وقدسوا آراء أحبارهم المتمثلة بما يسمى عندهم ( بالتلمود ) وهو شروح واجتهادات علمائهم الذين أحلوا لهم لحم الحرام وحرموا عليهم الحلال بأهوائهم .
- لذلك قال الله تعالى شانه فيهم ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله )) التوبة
- وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في حديث بأن معنى اتخاذهم أرباباً أي طاعتهم في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرم الله .

نسبتهم الابن إلى الله تعالى :
- قال الله تعالى عنهم :(( وقالت اليهود عزيزاً أبن الله )) فزعموا أن عزيزاً وهو أحد أنبيائهم ابن الله تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا ً.
ومن ادعائتهم الضالة :
- أنهم أبناء الله وأحباؤه .
- أن الله فقير وهم أغنياء .
- أن يد الله مغلولة .
- وكذلك قولهم لموسى ((لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ))
- وزعمهم أن الله تعالى تعب من خلق السماوات والأرض .
- إنكار اليهود وجحودهم لنبوة خاتم الأنباء محمد صلى الله عليه وسلم رغم أنهم يعرفون أنه رسول الله حقاً ، ولديهم الأدلة على ذلك كما ذكر الله ذلك عنهم .حيث ذكر أنهم يعرفونه ويعرفون نبوته كما يعرفون أبناءهم . قال تعالى (( الذين أتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون ))146 البقرة.

4- صفاتهم وأخلاقهم :
من خلال ما سبق ذكره نجد أنهم شعب فاسد خبيث ماكر ، وهذا حكم الله فيهم ،
1- كتمان الحق والعلم
2- الخيانة والغدر والمخادعة
3- الحــسد
4- الإفساد وإثارة الفتن والحروب
5- تحريف كلام الله تعالى وشرعه والكذب على الله .
6- البذاءة وسوء الأدب .
وغيرها الكثير من الصفات الدنيئة.

و اليهودية معتقد يختلف عن معظم المعتقدات والأديان ، هي دين مغلق ، فلا يحق لأي إنسان أن يعتنق اليهودية . يمعنى أوضح : إن اليهود لا يقبلون في صفوفهم إنسانا جديدا يعتنق دينهم ، خلافاً لجميع المبادئ والأديان التي تعمل لزيادة المؤمنين بها . ولكي يكون الإنسان يهودياً يجب أن يكون من أم يهودية . و مازالت محاكم إسرائيل ترفض الاعتراف بيهودية مواطنيها من أب يهودي وأم غير يهودية .

وقد ارتبطت كلمة (( يهودي )) في أذهان الناس ، بتصور خاص وصفات معينة خلال عصور التاريخ ، واستطاع معتنقوا اليهودية أن يحافظوا على دينهم وعرقهم ، فلم يندمجوا في المجتمعات التي عاشوا معها في كل البلدان ، وانعزلوا في ( حارات ) أو (غيتو) ، لا تهم التسمية ، المهم أنهم انعزلوا عن الشعوب التي عاشوا معها ، في أماكن خاصة ، وحافظوا على لغتهم وديانتهم وتقاليدهم وسلوكهم المبني على مبدأ واحد هو استغلال الشعوب الأخرى بأية وسيلة . فهم وحدهم ((شعب الله المختار )) وجميع الشعوب إنما خلقت لتخدم ذلك الشعب ( لعنه الله ) .
ويعود الفضل في ذلك إلى دينهم ومعتقداتهم . وقد يستغرب المرء كيف يتهرب غير اليهود من التمسك بمبادئ ديانتهم أكثر من اليهود الذين يتشددون بالتمسك بها . وتحليل ذلك بسيط :
فالديانات كلها مبنية على مثل عليا ، وتفرض على معتنقيها واجبات كما تتشدد في منع استغلال الآخرين أو احتقارهم . والإنسان أناني بطبعه ، على الغالب يجب استغلال غير . وهذا ما أدركه الذين وضعوا أسس الديانة اليهودية الأقدمين ، إذ يجمع معظم علماء الديانات تقريبا بمن فيهم اليهود على أن اليهودية بوضعها الحالي هي غير الدين اليهودي الذي جاء به النبي موسى عليه السلام .

ومما لا خلاف فيه أن التلمود وهو الكتاب الذي يشرح العقيدة اليهودية , هو كتاب سري وضعه ( حاخامات اليهود ) خلال فترة امتدت ما بين 400-600 سنة .

أما التوراة فيرى بعض البحاثة أنها من وضع العلماء الدينيين والدنيويين الأقدمين أيضا .

غاية الكتب المقدسة اليهودية

قبل كل شيء لنأخذ المعطيات التالية ، والتي تفرضها علينا الوقائع ومعلوماتنا عن التوراة و التاريخ اليهودي :
1- إن تاريخ اليهود القديم والمذكور في ( الهكزاتوك ) أي الأسفار الستة الأولى من التوراة ، لا يمكن التحقق من صحته من أي مصدر آخر سوى التوراة.
2- وان علماء اليهود يعلنون صراحة إن تاريخهم القديم أسطوري وقد أُعيد وضعه من وجهة نظر فريسة.
3- وأن اليهودية الأرثوذكسية المستندة إلى شريعتهم نشأت في بابل حوالي 400 سنه قبل الميلاد فقط .(نقلاً عن الدكتور /آرثر روين).
4- وأن علماء الكتاب المقدس كلهم مجمعون على أن العهد القديم جرى وضعه خلال و بعد النفي إلى بابل.
5- وإن غاية الشريعة اليهودية هي أن تربط ببعضها فئة قتالية غير قابلة للامتزاج مع الغير و لا تقبل المصالحة أو المخادنة معهم ، ولا تعرف الرحمة أو الشفقة ومنظمة تنظيماً شبه عسكري.
6- وإن الصور الخيالية في ( الهكزاتوك ) تصف فئة من المتآمرين المثاليين.
7- وأن إله اليهود القبلي يأمرهم بخدمة الشريعة تحت طائلة المحي من الوجود.
8- وإن أسفار العهد القديم التالية للهكزاتوك إنما هي وصف لعقوبات والمكافآت التي سيستحقها اليهود حسبما يكونوا قد عصوا أو أطاعوا الشريعة.
9- وإن رسالة الأنبياء لليهود هي فقط أتباع الشريعة لكي يأتيهم ( الوعد ) أي أن يتملكوا الأرض ومــن عليها – و إلا عوقبوا بالمحو من الوجود.
وبناء على ذلك كله لا مناص أمامنا من الجزم بأن تاريخ اليهود مختلف على نطاق واسع ، وقد اختلقه المتآمرون البابليون وهدفهم خلق تقاليد قومية لها غاية قائمة بذاتها لدى المنفيين و ذريتهم ، تفرض عليهم تنظيما باطشا تحت إمرة الشريعة ، ومن ثم إضفاء ثوب الدين عليهم ، لإخفاء وتبرير غاياتهم الإجرامية ضد العالم.
وقد استعار واضعو المؤامرة الأفكار من مضيفيهم البابليين ، ثم أضافوا إليها تقاليدهم القبلية الخاصة بعد تنميقها وتزيينها ، ثم أطلقوا لمخيلاتهم الخصبة العنان؟

5- الصهيونية Zionism
تعريفها : هي منظمة يهودية تنفيذية ، مهمتها تنفيذ المخططات المرسومة لإعادة مجد بني إسرائيل -اليهود- وبناء هيكل سليمان ، ثم إقامة مملكة إسرائيل ثم السيطرة من خلالها على العالم تحت ملك (ملك يهوذا) المنتظر . سميت بذلك : نسبة إلى (صهيون) جبل يقع جنوب بيت المقدس يقدسه اليهود .

الماسونية والصهيونية :
الصهيونية قرينة للماسونية إلا أن الصهيونية يهودية بحتة في شكلها وأسلوبها ومضمونها وأشخاصها ، في حين أن الماسونية يهودية مبطنة تظهر شعارات إنسانية عامة ،وقد ينطوى تحت لوائها غير اليهود من المخدوعين والنفعيين .

كما أن الصهيونية حركة دينية سياسية معلنة تخدم اليهود بطريق مباشر فهي الجهاز التنفيذي الشرعي والرسمي لليهودية العالمية .
في حين أن الماسونية حركة علمانية إلحادية سرية تخدم اليهود بطريق غير مباشر ، فهي القوة الخفية التي تهيء الظروف والأوضاع لليهود .

تاريخها ونشأتها :
الصهيونية كالماسونية ليست وليدة هذا العصر فقد مرت بمراحل كثيرة منذ القرون الأولى قبل ظهور المسيحية وبعدها وقبل ظهور الإسلام وبعده ، وكانت مراحلها الأولى مهمتها تحريض اليهود على الانتفاض والعودة إلى أرض فلسطين وبناء هيكل سليمان ، وتأسيس مملكة إسرائيل الكبرى ، وحــول المؤامرات والمكائد ضد الأمم والشعوب الأخرى .

أما الصهيونية الحديثة : فقد بدأت نواتها الأولى عام 1806م حين اجتمع المجلس الأعلى لليهود بدعوة من / نابليون -لاستغلال أطماع اليهود وتحريضهم على مساعدته - ثم حركة ( هرتزل ) اليهودي التي تمخضت عن المؤتمر اليهودي العالمي في (بال) بسويسرا عام 1897م والذي قرر فيه أقطاب اليهود ما يسمى بـ(بروتوكولات حكماء صهيون) وهو المخطط اليهودي الجديد للاستيلاء على العالم ومن هذا المؤتمر انبثقت المنظمة الصهيونية الحديثة .

أهداف الصهيونية :

- ذكرنا أن الصهيونية حركة يهودية خالصة . أما أهدافها فهي ذات جانبين : ديني وسياسي :
أما الجانب الديني فيتلخص فيما يلي :
إثارة الحماس الديني بين أفراد اليهود في جميع أنحاء العالم ، لعودتهم إلى أرض الميعاد المزعومة ( أرض فلسطين ) .
حث سائر اليهود على التمسك بالتعاليم الدينية والعبادات والشعائر اليهودية والالتزام بأحكام الشريعة اليهودية .
إثارة الروح القتالية بين اليهود ، والعصبية الدينية والقومية لهم للتصدي للأديان والأمم والشعوب الأخرى .

6- كيف نشأت اليهودية

يقول صاحب كتاب ( مابين موسى وعزرا ) ص 207

إن الديانة اليهودية المقتبسة من الشرائع البابلية والمصرية والكنعانية لم تكتسب الصيغة النهائية إلا من بعد زمن متأخر , أي عند كتابة التوراة البابليه لأول مرة وبعد الأسر, وهكذا , كان العصر الذي يمثل البداية الأولى للديانية اليهودية ، لأن اللغة الآرامية التي ألقيت بالعبرية لم تكن موجودة , ألم تكن قد دونت إلا قبل تدوين التوراة .

فاللغة التي يتكلمونها ويسمونها باللغة المقدسة ما كانت لغة التوراة إلا بعد أن أظهرت الآرمية , وانقسمت إلى لهجات عديدة منها الآرامية الغربية التي كتب اليهود بها كتبهم .

وقد أراد الأحبار في عملهم هذا أن ينشؤ جسرا يصل بين عصورهم بين السبي والدولة الفارسية , وبين العصر الذي وجد فيه موسى عليه السلام ، وحاولوا أن ينكروا وجود ثغرةبينهم وبين موسى , ولكنها بقيت طويلا هذه الثغرة , ولم يستطيعوا ردمها إلا حين ابتلع يهوه وأبناؤه ,وإن كانت التوراة قد صرحت بعبارة واضحة أنهم لم يكونوا يعرفونه بهذا الإسم .
هذا الإله الذي اختاروه كان جباراً مولعا بسفك الدماء وإزهاق الأرواح , ولهذا يأمرهم بإبادة الجنس البشري .

7- خصائص الحياة في المجتمعات اليهودية

مما لا شك فيه أن الحياة السائدة في كل شعب من الشعوب هي التي تساهم في صنع الفكر والأخلاق بل السلوكيات لهذا المجتمع ومن بين هذه الشعوب الشعب اليهودي فحياتهم تضمنت النواحي الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية وسأتناولها بشئ من التوضيح .

1- الحياة الدينية
ظلت عبادة التوحيد معروفة لدى اليهود بعض الوقت , غير أنه سرعان ما ضعف إيمانهم بالله الواحد حتى نسوه تماما ولم يذكروه إلا حين يستعبدهم شعب آخر فإذا انتصروا يعودون إلى نسيان الله أو يشركون في عبادته. وكان اتجاه اليهود إلى التجسيم والتعدد والنفعية واضحا في جميع مراحل تاريخهم , وبما يكون تعدد أنبيائهم دليل على تجدد الشرك فيهم . ويشير ريناخ Reinach إلى أن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناما صغيرة كانوا يعبدونها وينتقلون بها من مكان إلى آخر.

ويرى ديورانت Deiuorant أن اليهود لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش لأن عبادة العجل كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر وظلوا زمنا طويلا يتخذون هذا الحيوان رمزا لإلههم , وقد ذكر إلين Allen إلى أن بني إسرائيل قد عبدوا الأفعى باعتبارها حيوانا مقدسا , لأنها تمثل الحكمة والانسياب . ويوضح كنت Kent أن إله الكنعانيين بعل أصبح معبودا لبني إسرائيل في كثير من قراهم , وفي أحوال كثيرة وضع بني إسرائيل تمثال يهوذا وتمثال بعل في معبد واحد.

ويرى شلبي أن مسألة الألوهية كلها سواء اتجهت للوحدانية أو للتعداد لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني إسرائيل , فقد كانت المادية والتطلع إلى أسلوب نفعي في الحياة أكثر ما يشغلهم .
واليهودية تهتم بالأعمال أكثر من اهتمامها بالإيمان , ومجال تفكير اليهودية ليس فيما وراء هذا العالم و؟إنما مجالها الأوحد هو العالم الحاضر.

2- الحياة السياسية
رفض بنو إسرائيل أن يدخلوا فلسطين لأن بها قوما جبارين وأصروا على موقفهم رغم كل المحاولات التي بذلت لإغرائهم بالدخول ( قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) فتاه اليهود في الأرض أربعين عاما قبل أن يدخلوا فلسطين .

بعد موت يوشع عاش اليهود قبائل متفرقة لا تربطهم رابطة أو يجتمع لهم شمل إلا إذا تعرضوا للخطر , فعندئذ كانوا يختارون لهم زعيما يتولى قيادتهم , لذلك كان حكام بني إسرائيل في هذه الفترة قضاة من الكهنة ينتخبهم كبار الشعب إذ ظلوا زمنا طويلا يؤلفون اثني عشر سبطا يستقل كل واحد عن الآخر استقلالا يضيق أحيانا ويتسع أحيانا أخرى .

واستمر حكم القضاة حسبما ورد في التوراة 450 عاماً وكان صموئيل آخر قضاة بني إسرائيل وقد أظهر كثيرا من المواهب التي جعلت اليهود يعدونه نبيا . وعندما فسد القضاء على يد أبناء صموئيل قرر شيوخ اليهود أن يكون لهم ملوكا مثل بقية الشعوب , وتم اختيار شاءول أول ملك لبني إسرائيل . ثم سقطت مملكة إسرائيل وزال شعبها من التاريخ زوالا تاما وظلت مملكة يهوذا تكافح من أجل البقاء حتى أسقطها البابليون على يد بختنصر ودمر أورشليهم وحرق هيكلهم واسر منهم أربعين ألف أسير وسقط اليهود تحت نير العبودية واندثرت دولتهم وتشتتوا في مختلف المدن والقرى والأودية والضياع بين نهري دجلة والفرات وما حولها . وعندما استولى قورش يهوذا ملك فارس على آشور وبابل وأصبح له السلطان على أرض يهوذا تم السماح لليهود بالعودة إلى فلسطين وبناء الهيكل غير أن غالبية اليهود قد ألفوا الحياة البابلية وعرفوا التجارة الرابحة ورفاهية الحياة , لذلك استقر رأي الأغلبية على البقاء ولم يقبل العودة ؟إلا فئة قليلة من بني إسرائيل الذين عادوا كأفراد إلى فلسطين ولكن دولتهم لم تعد .

3- الحياة الاجتماعية

تأثرت الحياة الاجتماعية لدى اليهود بالتعاليم الدينية المستمدة من التلمود ويرى فابيان Fabian أن كثيرا من الصفات التي يتميز بها اليهودي ترجع الى التلمود .

فالأسرة أساس النظام الاجتماعي في المجتمعات اليهودية .ولذلك فالزواج واجب مقدس على كل شاب يهودي ويتم الزواج بطريقة الشراء فالرجل يدفع ثمن المرأة لتصبح بعد ذلك ملكا له كأي متاع . وكان تعدد الزوجات جائز عند اليهود وكذلك اليهودي يفتخر بكثرة الأولاد باعتبارهم هبة من الله ولذلك اعتبر عقم المرأة خزيا وعارا لها .

أما عن النظام الطبقي في المجتمع اليهودي فقد كان ذو ثلاث طبقات هي :

أ- طبقة الأغنياء وهم أصحاب الضياع وكبار التجار والطبقة الحاكمة .
ب- طبقة الفقراء وهم الأغلبية العظمى من الشعب .
ج- طبقة العبيد وهم أشد تعاسة وبؤسا من طبقة الفقراء فالعبد من ممتلكات سيده .

4- الحياة الاقتصادية

ظل المجتمع اليهود قاصرا على جماعات من رعاة الغنم والفلاحين والتجار والمرابين , وقد أجاد اليهود حرفة التجارة بحكم مواهبهم في المكر والدهاء والقدرة على الخداع والشهوة العارمة إلى جمع المال , وقد اشتهر اليهود في كل تاريخهم بالربا حتى كاد أن يصبح وقفا عليهم ومصدرا لثرواتهم في كل زمان ومكان وشريعتهم تمنع من اليهودي أخذ الربا من بني جنسه وتبيح له أخذه من الأجانب .
وكانت لليهود صناعات بدائية بسيطة يزاولها الصناع الفقراء كالحدادين والنجارين والدباغين , وقد ظل اليهود فترة طويلة من تاريخهم لا يستعملون النقود في معاملاتهم وإنما أساس التعامل بينهم وزنات من الفضة والذهب .

وكانت المدن اليهودية تزخر بالأسواق التي كانت تتجمع فيها المتاجر على جوانب الشوارع والساحات وكان اليهود فضلا عن استخدامهم الأسواق والساحات في البيع والشراء يستخدمونها في عقد الاجتماعات وإجراء المحاكمات وتجمع العاملين .

5- الحياة الثقافية

لم يترك قدماء اليهود تراثا من العلم والأدب أو الشعر إلا أسفار العهد القديم التي كتبها أنبياؤهم بوحي من الله كما يزعمون .
وكانت الشريعة اليهودية تمنع اليهودي من النحت والتمثيل إلا أن اليهود نحتوا أنواعا من التماثيل عبدوها في بعض فترات حياتهم , وتشير التوراة أن الفن الوحيد الذي زاوله اليهود في طقوسهم الدينية واحتفالاتهم الاجتماعية هو الموسيقى. وظل اليهود يتكلمون اللغة العبرية طوال حياتهم ويعتبرونها لغة مقدسة لشعائرهم الدينية .

- الفصل الثاني: ملامح التربية عند اليهود

ويتناول الموضوعات التالية :

1- مصادر التربية اليهودية
2- التربية العقدية لدى اليهود
3- الفكر الديني الفلسفي عند اليهود
4- معالم فلسفة اليهودية
5- التربية العقدية لدى اليهود
6- قيمة التربية اليهودية
7- انعكاسات التربية اليهودية

أولاً : مصادر التربية اليهودية

اعتمدت التربية اليهودية لأجيالها على مجموعتين من المصادر بعضها يرجع إلى كتبهم الدينية كالتوراة والتلمود وبعضها يرجع إلى الممارسات والأحداث( الخبرة التاريخية) سواء ما كان منها متعلق بالخبرة والتجربة أو متعلق بالنواحي الثقافية التي تأثرت بها ثقافتهم من الجماعات البشرية الأخرى وهذان المصدران يؤثران بشكل كبير في التربية اليهودية وسأتحدث بشئ من التفصيل عنهما :-

1- التلمود
ويعتبر وثيقة من أهم الوثائق في التراث الإسرائيلي وتعني كلمة التلمود بالعبرية "المعرفة" أو "التعليم" وقد كان التلمود ولايزال موضع التبجيل ككتاب مقدس يقف متساو في نظر كثير من اليهود مع التوراة بل يعدونه موسوعة ضخمة لا غنى عنها في دراسة اليهودية لأنه يغطي كل جوانب النشاط في حياة اليهود الذين جعلوا من دراسته وسيلة للتجمع والالتقاء فكريا وروحيا على الرغم مما هم فيه من تشتت في أرجاء العالم جميعا

ويرجع التلمود في نشـأته أساسا إلى شريعة موسى التي كان رجال الدين اليهودي يقررون أنها لم تكن مقصورة على النصوص المدونة في الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم بل تضمنت شريعة شفوية انتقلت من المعلمين إلى تلاميذهم جيلا بعد جيل مع ما كان يضاف إليها من زيادات وتعديلات .

وهناك ثلاثة معاني لكلمة تلمود تدل على اهتمام اليهود بالتلمود
أ‌- التلمود بمعنى التعليم والتعلم والدرس .
ب‌- تدل كلمة تلمود على التدريس بواسطة نصوص الكتاب المقدس والاستنتاجات التفسيرية المستخلصة من دراسة تلك النصوص .
ج‌- التلمود بمعناه اللاحق كمصنف للأحكام الشرعية أو مجموعة القوانين الفقهية لليهودية .

غير أن المعنى الثالث هو الأكثر شيوعا وشمولا منذ منتصف القرن الثامن الميلادي , لذا يعتبر التلمود بمعناه الحرفي مرادفا للتعليم القائم على أساس التقليد السماعي أو الشفهي .

ويعتبر اليهود التلمود من قديم الزمان كتابا منزلا كالتوراة ما عدا طائفة اليهود القرائين فإنهم لا يعتقدون ذلك بل يرون أن التلمود هو الذي حافظ على شعب إسرائيل وصانهم أكثر من محافظتهم عليه .
يقول المؤرخ اليهودي الألماني هاينزيخ غريتس عن التلمود البابلي بأنه كان الأثير الذي صانهم من الفساد وتلك القوة الدائبة التي تغلبت على الخمول وتبلد الملكات العقلية لا بل النبع الأزلي الذي أبقى الذهن دائم التوقد والنشاط . وبذلك نستطيع القول بأن التلمود هو مربي الأمة اليهودية ومعلمها .
وهكذا نجد أن المؤرخين والباحثين اليهود يجمعون على الإشادة بدور التلمود في الحياة اليهودية ويعترفون بمنزلته وأثره البعيد لكنهم يتجنبون إيراد كل إشارة من شأنها أن تبين لنا بصورة مباشرة وصريحة شيئا يسيرا عن النواحي المظلمة في تسلط التلمود وطغيانه الجائر على الحياة اليهودية طيلة قرون , فالتلمود صاحب الفضل الأكبر في تربية اليهود وطبعهم بطابع معين مثلما أنه ساهم إلى حد بعيد في إبقاء الصلات الحية بين اليهود وتقاليدهم وبنى لهم عالما قائما بذاته .

2- الممارسات والأحداث (الخبرة التاريخية)

بنظرة إجمالية على الخبرة التاريخية أكد لبون أن اليهود لم يكن لهم فنون ولا علوم ولا صناعة ولا أي شي تقوم به حضارة . واليهود لم يأتوا قط بأية مساعدة مهما صغرت في بناء المعارف البشرية وهم لم يتجاوزوا مرحلة الأمم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ ويجمل زكي شنودة أخلاقيات بني إسرائيل من خلال مسيرتهم التاريخية فيقول :
كان اليهود منذ نشأتهم الأولى من أكثر الشعوب شرورا وآثاما ووحشية وإجراما وخيانة وغدرا وخبثا وخداعا ورياء والتواء وخسة وجبنا وتعصبا وغرورا ونهما وجشعا وانغماسا في الدعارة فهم يفرطون في أعراضهم ليصلوا إلى أغراضهم ويبيعون ذمتهم وكرامتهم وشرفهم بل ديانتهم وإيمانهم بالله في سبيل قليل من المال أو قدر ضئيل من النفوذ والجاه .

وكان اليهود في معظم الأحوال على الرغم من أنهم شعب صغير أكثر الشعوب غرورا وتعصبا لجنسهم , فهم ينظرون إلى غيرهم من الشعوب غير اليهودية نظرة التعالي والازدراء مهما كانت نشأتهم ومهما بلغت سطوتها أو حضارتها أو عراقتها أو اتساع رقعتها وكانوا يلقبون هذه بالأمم احتقارا لها واستصغارا لشأنها وكانوا يعتبرون أرض هذه الشعوب نجسة إذا مسها يهودي تنجس ووجب عليه أن يبادر إلى تطهير نفسه على مقتضى أحكام الشريعة .

وسيطرت على اليهود نزعة مخيفة إلى القسوة الجنونية وولع حقود مضطرم بالقتل والذبح والشنق والخنق والحرق والرجم والتنكيل والتعذيب وتقطيع الأوصال وإبادة الناس بالجملة وإشعال النار في المدن وإشاعة الدمار في كل مكان يقع في قبضتهم .

كذلك برعوا في الجاسوسية والاندساس بين الشعوب لخداعها واستغلال ثقتها فيهم للإطلاع على أسرارها وخباياها ثم استخدام هذه الأسرار والخبايا في السطو على هذه الشعوب والقضاء عليها كما كانوا لا يتورعون عن أن يتجسس بعضهم ضد البعض الآخر في صراعهم الذي لم ينقطع أبدا .
واشتهر اليهود في معظم عصورهم بالتمرد والعصيان وإثارة الشغب فكانوا على الدوام يتمردون على حكامهم سواء أكان يهوديا أم غير يهودي . بل كانوا دائما يتمردون على ربهم ويعصون ويثورون , فلم تكن حياتهم تخلو أبدا من الخصومات والمنازعات والمشاحنات والاضطرابات والتدمير والتخريب وإشعال النار وسفك الدماء .

ويذكر جوستاف لوبون أن اليهود قد أثبتوا عجزهم التام العجيب عن الإتيان بأدنى تقدم في الحضارة التي اقتبسوا أحط عناصرها .

ثم يلخص لوبون الأمر لينتهي إلى القول بأن تأثير اليهود في تاريخ الحضارة صفر .

ثانياً : التربية العقدية عند اليهود ص 71 من كتاب التربية في التوارة

سيكون حديثي في هذا المبحث عن جانبين:-

أ- الصلة بين الرب وأتباع التوارة من خلال :-
-  التوحيد والشرك في التوارة .
-  الدعاء والمناجاة .
-  خضوع أهل التوراة لأحكامها .
- 
ب‌- ضعف أثر التربية العقدية في نفوس اليهود وخلو التوارة الحالية من ذكر الآخرة .

فإذا نظرنا إلى النقطة الأولى وهي الرب بين التوحيد والشرك في التوارة وجدنا أن بعض النصوص الحالية تبين أن إله بني إسرائيل هو الله تعالى رب العالمين ( ليعلم كل شعوب الأرض أن الرب هو الله وليس إله آخر ) ( أنا الأول والآخر ولا إله غيري ) (إني أنا الله وليس غيري إلها وليس لي شبيه ) وفي موضع آخر تذكر التوارة أن إلههم يهوه ليس الإله الوحيد ولكنه يهيمن على آلهة أخرى شتى ( إله الآلهة الرب – إله الآلهة الرب , هو يعلم وإسرائيل يعلم ) (ولان الله على صورته عمل الإنسان ) ( الرب يحل باليهود فيكونون آلهة وهيكل الله ) بل تزعم أن الرب تعب من الخلق فاستراح يوم السبت وأنه يسكن جبل صهيون , ومن أبشع ما جاء في التوارة عن الخالق سبحانه وتعالى عما يقول الكافرون علواً كبيراً من وصف لا يليق به . هذه الأوصاف المجسدة أن له رأسا عليه خوذة الحرب ولباسه ابيض كالثلج وشعر رأسه كالصوف النقي وعرشه لهيب نار... إلى غير ذلك من أوصاف مكذوبة في أسفار كثيرة كالتكوين وأشعياء والخروج والمزامير وارميا وأيوب وصموئيل الثاني .

أما الدعاء والمناجاة فهي :

من الوسائل التي يمكن توثق صلة العبد بخالقه العظيم , ورغم التحريف الكثيف الذي اعترى التوراة إلا أنها لا تخلو من بعض صيغ الدعاء والمناجاة التي لا تخالف تعاليم الإسلام مثل : ( يارب اهدني إلى برك , بسبب أعدائي سهل قدامي طريقك ) ( ارحمني يارب لأني ضعيف , اشفني يارب لأن عظامي قد رجفت قد ارتاعت جدا .... ) وهكذا غير أنه وجدت بعض الأدعية والمناجاة فيها من الشرك وصرف هذه العبادة لغيره .
ويتصل بالدعاء والمناجاة بعض الحكم الدينية في التوارة لتعرف العبد بخالقه جل وعلا ومن ذلك ما جاء في سفر المزمور والأمثال ( رأس الحكمة مخافة الله . فطنة جيدة لكل عامليها. تسبيحة قائمة إلى الأبد ) .
وكذلك خضوع أهل التوارة لأحكامها

فمعرفة الرب ودعاؤه ومناجاته ليست الأسس الوحيدة لتوضيح الصلة بين العبد وخالقه . ذلك أن الخضوع للأوامر الربانية وتعظيمها والعمل بها من اللوازم المكملة لهذه الصلة بين العباد وربهم .
والتوارة الحالية - مع ما فيها من تحريف – يوجد فيها التأكيد على العمل بأحكام التوارة ووصاياها مثل ( أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة . البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم , واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم , وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها ) .

ثالثاً : التربية والتعليم عند اليهود

من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية لم يكونوا شعباً واحداً باستثناء فترة قصيرة من تاريخهم , أي منذ استقرارهم في كنعان ( فلسطين ) في حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد قبل الميلاد , حتى تهجيرهم إلى بابل في حوالي القرن السادس قبل الميلاد . وفي خلال هذه الفترة كوّن العبرانيون شعباً له سمات أثنية محددة وديانة مرتبطة بالمكان ويجمعه إطار ثقافي واحد ويتحدث لغة مشتركة . ورغم أن العبرانيين احتفظوا ببعض السمات الاثنية بعد العودة إلى فلسطين إلا أن انتشارها في البلدان المختلفة بدأ أيضا في هذه الفترة , وظهرت تجمعات يهودية كبيرة في كل من بابل والإسكندرية لها ظروفها الثقافية المحددة وحركاتها المختلفة عن حركيات العبرانيين في فلسطين . ومن ثم لها مؤسساتها التي تلبي احتياجاتها باعتبارها أقليه لها أوضاعها الثقافية والحضارية .

التربية العبرانية

قسمت هذه المرحلة الى فترتين هما :
-  قبل التهجير إلى بابل .
-  بعد العودة من بابل

إلى أن تحولا جوهريا حدث للعبرانيين عند تهجيرهم إلى بابل مما انعكس على مؤسساتهم التربوية المدرسية وغير المدرسية , فقد أوجد اليهود بعض المؤسسات التربوية لتطوير ونقل ونشر الديانة اليهودية وهي:

-  تنظيم الكتبة
-  الحلقات التلمودية
-  المعبد اليهودي
-  المدرسة الأولية

ومع تنوع أحوال وتجارب واحتياجات الجماعات اليهودية لا يمكن الحديث عن تربية يهودية باعتبارها كيانا فكريا واحدا أو مدرسة واحدة يهودية باعتبارها نمطا متكررا وإنما تربية وتعليم أعضاء الجماعات اليهودية سواء كان في العصر الهيليني أو العصور الوسطى .

وبمجئ العصور الوسطى في الغرب والتشكيل الإسلامي في الشرق أصبحت الحضارات التي يعيشها اليهود بين ظهرانيها أساسا حضارات دينية توحيدية . حيث ساد الدين الإسلامي في الشرق الأوسط والأندلس , وسادت المسيحية في أوروبا . وقد مثل الدين وعلومه المختلفة محوراً أساسياً للدراسة في المؤسسات التعليمية لشعوب هذه البلدان , ولم يختلف الوضع بالنسبة للجماعات اليهودية التي عاشت في هذه المناطق , فكونت العقيدة اليهودية وكتبها المقدسة المادة الأساسية التعليمية للجماعات اليهودية , ومع هذا نجد أن مناهج التعليم وأساليب التدريس اختلفت من جماعة يهودية إلى جماعة يهودية أخرى .

-  في أوروبا تدنت الأوضاع الثقافية للبلدان الأوروبية وعزلوا ثقافيا مما أدى إلى انخفاض مستواهم التعليمي واقتصرت مؤسساتهم التعليمية على تدريس الكتب الدينية .
-  في بلدان العالم الإسلامي ازدهرت ثقافة الجماعات اليهودية تحت تأثير الحضارة الإسلامية وشارك أعضاؤها في النهضة الثقافية والعلمية ولكونهم أهل ذمة فقد سمح لهم بكثير من الحريات وأحسنت معاملتهم .

-  في أواخر القرن الثامن عشر حيث بدأت المجتمعات الأوربية تدخل مرحلة التصنيع الأمر الذي أدى إلى ظهور الدولة القومية العلمانية والتي طالبت أعضاء الجماعات اليهودية بأن يندمجوا في المجتمعات التي يعيشون فيها , ففتحت أمام أعضاء الجماعات اليهودية أبواب التعليم الحكومي العلماني كما سمح لهم بتأسيس مدارس علمانية خاصة بهم . فأنشوا المدارس اليهودية التي جمعت مناهجها بين المواد العلمانية والدينية .

ومن الملاحظ أن الجماعات اليهودية المختلفة لم تقدم فلاسفة أو مفكرين تربويين لهم ثقلهم الفكري العالمي في مجال التربية , فمعظم المفكرين اليهود الذين كتبوا عن التربية اتبعوا النظريات والاتجاهات الفكرية والتربوية أو عالجوا المشكلات التربوية التي تمس الأوضاع التربوية القائمة في المجتمعات التي ينتمون إليها . ومن الصعب وصف انجازتهم الفكرية بأنها ذات مضمون يهودي .

رابعاً : مصادر فلسفة التربية اليهودية

لقد استمدت التربية اليهودية فلسفتها التربوية من مصادر أربعة هي: الحركة الصهيونية، الديانة اليهودية، دولة إسرائيل، والحضارة الغربية.

أولاً: الحركة الصهيونية: عند التحدث عن الحركة الصهيونية كأحد أهم مصادر التربية اليهودية فانه لا بد لنا من العودة إلى الجذور التاريخية للحركة الصهيونية والتعرف على الوسائل والمؤسسات التي أقامتها لبلورة أيديولوجية خاصة بها، بإقامة إقليم يهودي مستقل ذاتياً، واستقطاب المهاجرين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وقلب الأفكار والوقائع، والصهيونية تنقسم إلى جزءين متكاملين هما: الصهيونية الدينية والصهيونية السياسية، فالصهيونية الدينية ترتبط بالأمل اليهودي الكبير القائم على العودة إلى (أرض الميعاد).

"وقد كانت الصهيونية الدينية وراء التقليد بالحج إلى الأراضي المقدسة في العصور الوسطى وفي خلال القرن 19حين ظهرت حركة "أحباء صهيون" وهي المجموعات الصهيونية التي هاجرت من أوروبا الشرقية وخاصة روسيا وبولونيا ورومانيا، في سنوات (1881 – 1904) وأقامت فيها المستوطنات الأولى وكان هدفها على حد قول الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي: هو خلق مركز روحي على أرض فلسطين (صهيون) تتألف منه العقيدة والثقافة اليهوديتان"(4).

أما الصهيونية السياسية فهي مذهب سياسي يدعو إلى تجميع اليهود في أرض فلسطين على أساس قومي عنصري، وهي الحركة التي تدعو إلى التطبيق العملي لمنهاج مؤسسها ثيودور هرتزل والمتمثلة في النقاط التالية:

1ـ تبنى فكرة استعمار يهودي منظم بمقياس واسع لفلسطين.
2ـ الحصول على حق قانوني معترف به دولياً بشرعية استعمار اليهود لفلسطين.
3ـ تشكيل منظمة دائمة تعمل لتوحيد جميع اليهود للعمل في سبيل الصهيونية.

وقد كان هناك نوعان من المؤيدين في صفوف الحركة الصهيونية، يطلب الأول، تحقيق النواحي الثقافية، بينما يطلب الآخر الأغراض السياسية، حيث مطلبهم يتمثل في تأسيس دولة قومية يهودية في فلسطين. أما الصهيونيون الثقافيون فكانوا يهتمون أولاً وقبل كل شيء بإعادة تربية الإنسان اليهودي، وتشكيله ذهنياً، ببعث الثقافة العبرية من النواحي اللغوية والدينية والعنصرية كمقومات تشكل بنية الفكر الصهيوني، والأيديولوجية الصهيونية بشكل عام(5). "ولقد شكلت الحركة الصهيونية لجاناً ومنظمات وهيئات هدفها، بث الدعوة الصهيونية بين اليهود في أوروبا، وكانت تأخذ شكل دورس في العبرية وفي التلمود وفي الفكر السياسي الصهيوني. وكانت بوتقة التعليم بالنسبة لدعوتهم العمود الفقري لنجاحهم في استقطاب الآلاف من اليهود الذين كانوا يعيشون في الجيتو روحاً وجسداً"(6).
من خلال ما تقدم نلاحظ كيف كانت الحركة الصهيونية أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظراً لما قدمته من أفكار ونظريات وخدمات تعليمية من أجل وضع أسس تربوية خاصة تستطيع من خلالها تطبيق أهدافها الأيديولوجية والتربوية بين صفوف اليهود في كل مكان.

ثانياً: الديانة اليهودية: تعتبر الديانة اليهودية مصدراً هاماً من مصادر الفلسفة التربوية عند اليهود، فلقد اعتمدت التربية اعتماداً كبيرا على الدين في سبيل تشكيل أجيال متشبعة بتعاليم التوراة والتلمود، من أجل ترسيخ مفاهيم معينة في نفوس الناشئة اليهودية. "وقد ركزت تلك التعاليم على ترسيخ مفهوم الوطن القومي اليهودي الذي يعيش فيه شعب يهودي امتدت صورته الروحانية والدينية والقومية والرسمية عبر التاريخ"(7)، وقد تضمنت تلك الفلسفة من تعاليم أبناء اليهود المفاهيم الدينية التالية:

1ـ اعتبار التوراة والتلمود في أصولها العبرية المصدر الأساسي للتاريخ والجغرافيا والأدب القومي، والمحتوى الأساسي للتقاليد الروحية والأخلاقية.

2ـ اعتبار الشعب اليهودي هو "شعب الله المختار" الذي هو فوق كل الشعوب التي سخرت لخدمته، وأن جميع الحضارات والثقافات هي وحي من هذه الديانة وهذا الشعب.

3ـ ملء المناهج الدراسية بالبطولات الخارقة والأساطير التي وردت في الكتب الدينية، وأن الله وعدهم باستخلافهم في الأرض.

4ـ إن اليهود أمة واحدة لذلك لا بد من جمع جميع اليهود في فلسطين على أساس الدين واللغة العبرية، وإعادة صياغة الأمة اليهودية وفق الروح اليهودية والثقافة اليهودية وحياً من الدين اليهودي،

وتهدف التربية الدينية إلى تربية الطفل جسدياً واجتماعياً وانفعالياً وعقلياً عن طريق قصص من التوارة وأسفارها. وفي هذا يقول حاييم وايزمن أول رئيس لدولة إسرائيل "عندما بلغت ما لا غنى عنه لأي طفل يهودي، وخلال السنوات التي قضيتها في مدارس الدين تلك، كان علي أن أدرس أشياء من أصول الديانة اليهودية، والذي ملك علي لبي هو سفر الأنبياء"(8)

وما يمكن ملاحظته هو الاهتمام الكبير بتدريس المواد الدينية في جميع مراحل التعليم لأبناء اليهود أينما وجدوا، حيث تأتي مادتا التوراة والتلمود في مقدمة الدراسات، وتعتبر المادتان أساساً واطاراً للغايات التربوية، حيث يقول مائير بار إيلان أحد مفكري التربية اليهودية "إن روح التلمود ومعرفة عامة شرائعه وآدابه يجب أن يكون جزءاً من دراسة كل يهودي متعلم، حتى وإن لم يكن سيجعل من حقل الدراسة هذا مجالاً للعمل، والأمر شبيه بتعليم الفيزياء والرياضيات. فمع أنه ليس كل تلميذ يتخصص فيهما، ولا يستخدم جميع ما يتعلمه فيهما في حياته العملية، إلا أنهما ضروريتان له، كذلك بالنسبة للتلمود يجب أن يحفظ كل تلميذ مقاطع معينة منه وأن يتشرب روحها"(9)

ونورد هنا بعض التعاليم والأحكام التي يحتويها التلمود، حيث صيغت بمهارة فائقة تدل على أن واضعيها كانوا على قدر من الفطنة والذكاء:

ـ اليهودي لا يخطئ إذا اعتدى على عرض الأجنبية، فإن عقود الزواج عند الأجانب فاسدة، لأن المرأة غير اليهودية بهيمة ولا تعاقد مع البهائم.

ـ يجوز لليهودي أن يقسم زوراً ولا جناح عليه إذا حول اليمين وجهة أخرى.

ـ إن أخطأ أجنبي في عملية حسابية مع يهودي فعلى اليهودي أن يقول له (لا أعرف) لا أمانة، ولكن حذراً. إذ من الجائز أن يكون الأجنبي قد فعل ذلك عمداً لامتحان اليهودي وتجربته.

ـ من يقتل مسلماً أو مسيحياً او أجنبياً أو وثنياً، يكافأ بالخلود في الفردوس وبالجلوس هناك في السراي الرابعة.(10)

ـ الأجدر بك أن تكون رأس ثعلب من أن تكون ذنب أسد.

ـ صديقك له صديق وصديق صديقك له صديق أيضاً فكن حصيفاً (أكتم أسرارك).

ـ الرجل الذي في سلته خبز ليس كمثل الذي لا شيء في سلته.

ـ اذا لم يستطع السارق انتهاز الفرصة زعم نفسه أميناً.

ـ كثيرون يعظون جيداً ولكنهم لا يعملون جيداً.(11)

ـ يقرر التلمود أن اليهودي يعتبر عند الله أفضل من الملائكة لأن اليهود جزء من الله مثلما الإبن جزء من أبيه.

ثالثاً: دولة إسرائيل: دولة إسرائيل التي قامت على جزء من فلسطين في 15/5/48بتحالف بين الحركة الصهيونية وقوى التحالف الغربي واعتماداً على العنصر اليهودي، تعتبر اليوم أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود نظرً لاعتمادها لمصدرين سابقين، الصهيونية والدين ا ليهودي في مؤسسات التربية لعدد كبير من اليهود والذين هم سكان دولة إسرائيل حالياً والبالغ عددهم حوالي خمسة ملايين نسمة.
فلو القينا نظرة على مصادر الفلسفة التربوية القائمة في دولة إسرائيل لوجدنا أنها تقوم على إعداد النشء اليهودي إعداداً يقوم على المعرفة والإلمام بالثقافة والتقاليد اليهودية التي تعاني منها في (أرض الشتات) أو في الضياع (الدياسبورا)، وقد نص قانون التعليم الرسمي في دولة إسرائيل على ما يلي:
"إن التعليم الإبتدائي يهدف إلى إرساء الأسس التربوية على قيم الثقافة اليهودية وعلى احترام الإنجاز العلمي، ويعتمد على حب الوطن والتضحية والاخلاص للدولة والشعب اليهودي، كما أنه يركز في التدريب على الأعمال الزراعية والحرف اليدوية وتحقيق مبادئ الرواد الصهاينة الأوائل".(12)

وتستمد التربية أصولها من الفلسفة السائدة في المجتمع الإسرائيلي فهي انعكاس لمطالبه واحتياجاته. ففلسفة التربية في إسرائيل تهدف إلى :

1ـ تكوين مجتمع عضوي موحد من شتات اليهود الذين تجمعوا في أ رض فلسطين.

2ـ بناء دولة عصرية تملك أسباب القوة المادية والروحية.

3ـ المحافظة على التراث اليهودي ونشره وتعميمه بين الناشئة اليهود في إسرائيل، وتحويل إسرائيل لتصبح مركز الاتصال بين يهود العالم أينما وجدوا والممثلة الرئيسية لمنجزات الشعب اليهودي.(13)
ومن ضمن فلسفة التربية القائمة اليوم في دولة إسرائيل الاهتمام بالتعليم الزراعي، حتى أن أول مدرسة تأسست في فلسطين المحتلة كانت ثانوية زراعية: "لأن الهدف الرئيس لديهم هو ربط يهود العالم بوطن، وهذا الوطن هو أرض فلسطين، وهذا الربط لا يتم إلا بالرجوع إلى الأرض واحتراف الزراعة، حتى أن بن غوريون رئيس وزراء أول حكومة إسرائيلية كان يذهب إلى قرية زراعية في صحراء النقب للعمل في الزراعة بعد تخليه عن الحكم"(14) ولذلك نرى هذه الهجمة الاستيطانية الشرسة على الأراضي الفلسطينية. وقد نادت كثير من الأصوات القيادية في دولة إسرائيل بابتعاد اليهود عن أعمال التجارة والربا والأعمال المالية التي يشتهرون بها اليوم، والرجوع إلى الأرض لكي يشعر اليهود بقيمة الأرض التي أقاموا عليها دولتهم.

رابعاً: الحضارة الغربية: لقد كانت الحضارة الغربية وماتزال، أحد مصادر فلسفة التربية عند اليهود، حيث كان تساؤلهم دائماً: كيف يمكن أن تقوم لليهود دولة عصرية؟. ولقد جاء الجواب على ألسنة زعماء الصهاينة اليهود الذين هم زعماء دولة إسرائيل، ومعظمهم من اليهود الغربيين، والذين يمثلون الغالبية العظمى في فلسطين قبل عام 1948 والذين يمتازون بارتفاع مستواهم الثقافي والاجتماعي ويعيشون في المدن أكثر من القرى، وكان من الطبيعي أن يقوموا ببناء دولتهم على أسس عصرية غربية، ومن هنا كان الاهتمام كبيراً من ناحيتين:

1ـ العلم والتكنولوجيا: ولهذا كان أول عمل قامت به الصهيونية عند مباشرتها العمل في فلسطين هو بناء الجامعة العبرية في القدس وكذلك بناء معهد الهندسة التطبيقية في حيفا عام 1912، والاهتمام الكبير بالتعليم الصناعي لتخريج العمال المهرة والفنيين.

2ـ اتباع أحدث الاتجاهات الغربية في التعليم وهم في هذا سباقون حتى وصل بهم الأمر إلى أنهم يحاولون تعميم المدارس الشاملة في إسرائيل قبل تعميمها في الدول الغربية(15).

إن النفوذ الواسع للجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا وخاصة في مجال الإعلام والأموال، جعل الكثير من المناصب الهامة تقع في أيديهم مما ساعدهم في الاطلاع على الكثير من خفايا الحضارة الغربية وأسرارها، وجعلهم يستفيدون بأكبر قدر ممكن في سبيل جعل هذه المؤسسات الغربية الهامة في خدمة الكيان الصهيوني في مجالات التربية والتعليم والتكوين والاعلام، وبذلك استطاعوا أن يعتمدوا الحضارة الغربية كمصدر من مصادر فلسفتهم في التربية، بل وأن يسخروها في خدمة أهدافهم التربوية لبناء مجتمع صناعي وحضاري على نمط الصيغة الغربية المتقدمة عن العالم الثالث، وهكذا فإن هذه المصادر تشكل ترابطاً وتشابهاً فيما بينها بحيث يشكل الدين اليهودي تجسيداً لمعتقدات اليهود وحاملاً لتراثهم عبر التاريخ، في حين تمثل الحضارة الغربية، العقلانية العلمية "من هنا نلاحظ أن الحركة الصهيونية هي خلاصة تاريخية للتفاعل بين المصدر الثاني (الدين اليهودي) والمصدر الثالث (الحضارة الغربية)، وتمتزج هذه المصادر الثلاثة لتشكل لنا صورة المصدر الرابع، وهو دولة إسرائيل التي يعتبر وجودها كمصدر متمم للمصادر السابقة، إذ أنه بدون تكوين مجتمع موحد من اليهود لا يمكن تحقيق أهداف التربية التي صاغتها المصادر الثلاثة الأخرى".(16)

الطريق الى القتال الشهداء الخمسة افكار ثورية ازمات المشروع الصهيوني حول المقاومة

9 من الزوار الآن

876289 مشتركو المجلة شكرا
المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي أسرة التحرير والمقالات تعبر عن كتابها - شبكة الجرمق